الأربعاء، يوليو 23، 2008

من تجلّيات النّزعة العقليّة عند الجاحظ


1- منزلة العقل وقيمته عند الجاحظ :

- إعلاء الجاحظ ألمعتزلي من شان العقل إذ يعدّه ميزة ميّز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات من البهائم و الجمادات و فضيلة كرّمه بها.
- العقل أداة المعرفة و وسيلة الإنسان إلى اكتساب العلوم وبقدر اتساع حاجة المرء إلى المعارف وارتقائه فيها يكون اتساع عقله وارتقائه. فالعقل و المعرفة لهما عند الجاحظ طابع وظيفي .
- العقل حكم على صحة العلم بالمدركات أي أن الحواس لا تكون حجّة على العقل لكن العقل حجّة عليها فهو الذي يؤيّد حكمها أو يفنّدها. فعلوم العقل هي الحاكمة على علوم الإدراك الحسي :" فلا تذهب إلى ما تريك العين واذهب إلى ما يريك العقل . و للأمور حكمان حكم ظاهر للحواس وحكم باطن للعقول والعقل هو الحجّة ". لذلك فإنّ الدليل السمعي تابع للدليل العقلي عملا بمبدإ أسبقية العقل على النّقل الذي آثرته المعتزلة.
- بالعقل يتوصّل إلى معرفة الظواهر الطبيعية من حوله وأحوال الاجتماع الإنساني و الأخلاق والقيم فيتبيّن حكمة الخالق في خلقه كما يتبيّن الخير والشّر فيكون العقل سبيلا إلى التوصّل إلى حكمة الخالق ومعرفة ما أودعه الله في الكائنات من بدائع الخلق و وضوح البرهان "اعلم أنّ الجبل ليس بأدلّ على الله من الحصاة ولا الفلك المشتمل على عالمنا هذا بأدلّ على الله من بدن الإنسان وأنّ صغير ذلك ودقيقه كعظيمه وجليلة ولم تفترق الأمور في حقائقها وإنّما افترق المفكرون فيها " . كما قال :" فإيّاك أن تسيء الظّن بشيء من الحيوان اضطراب الخلق ولتفاوت التركيب و لأنه مشنوء في العين أو لأنه قليل النّفع والرّد فإنّ الذي يظن أنّه أقلّها نفعا لعلّه أن يكون أكثرها ردّا فإلاّ يكن ذلك من جهة عاجل أمر الدنيا كان ذلك في أجل ثواب الدّين وعقابه فهما باقيان و منافع الدنيا فانية زائلة". كما يقول في سياق حديثه عن خمسة أشياء يعتمد عليها في أداء البيان بعد إيراد الأربعة "الأولى: " والخصلة الخامسة ما أوجد من صحّة الدّلالة وصدق الشهادة ووضوح البرهان في الأجرام الجاهدة والصامتة والساكنة ..." . و يقول متحدّثا عن الحكمة من خلق بعض الحشرات :" فأما خلق البعوضة و النملة والفراشة والذرة والذباب و الجعلان واليعاسيب والجراد فإياك أن تتهاون بشان هذا الجند...
وفيها معتبر لمن اعتبر وموعظة لمن فكّر وصلاح لمن استبصر....وحجة صادقة وآية واضحة وسبب إلى الصبر والفكرة وهما جماع الخير في باب المعرفة و الإبانة. وفي باب الأجر وعظم المثوبة"(الحيوان).

- الإنسان مسؤول عن استخدام ميزة العقل التي ميزه الله بها لحكمة بالغة وتوظيفها في اجتلاب الخير وإطاعة أوامر الخالق وفي اجتناب الشر والمعصية ليفوز بالسّعادة في الدنيا والآخرة. ويقول مخاطبا :" فإنّك مسؤول عن هذه الفضيلة لأنها لم تجعل لعبا ولم تترك هملا".
فالعقل وسيلة الإنسان للاختيار و الاختبار وأداته لتمييز الخير من الشّر وبذلك يصبح العقل ضرورة من ضروريات التكليف الإلهي نابعة من الإيمان بمسؤولية الإنسان عن أفعاله .
- العقل سلاح حارب به الجاحظ الكثير من الأوهام و الخرافات و الاعتقادات السّاذجة وغير ذلك من الظواهر التي لا تخضع للمنطق مما كان يلتبس بالعلم و المعرفة في المروريات و الأخبار ولعل من ابلغ الأمثلة على هذا ردّ فعله على ذلك الاعتقاد الشائع بين أوساط المسلمين إلى يومنا هذا عن الحجر الأسود الذي نزل من الجنة ابيض ثم اسود من أفعال المشركين حين ذكر أنّه كان يجب أن يبيّضه المسلمون حين اسلموا (راجع البستاني"الروائع"-عدد19 -ص-525).
-على الرّغم من أن الجاحظ يعد أحد أبرز أعلام الفكر الاعتزالي حتى صار له مذهب يسمى باسمه "الجاحظية" (يقوم على جملة المبادئ حاول فؤاد البستاني تلخيصها في أحد الأعداد التي خصّصها لكتاب الحيوان ضمن سلسلة"الروائع "العدد19 ص520-522).فإنّ غلبة العقل عليه وفكره الموسوعي وثقافته الإنسانية الشاملة المتنوعة المشارب و المصادر جعلت الرجل لا يتقوقع في حدود مذهب بعينه فتنحصر رؤاه فيه بل نجده يأخذ بالرأي لما يرى فيه من صواب ومنطق مهما تكن الفرقة التي نادت به ولعل هذا ما جر عليه انتقاد ابن قتيبة إذ قال في ذمّه إنّه :"يحتجّ مرة للعثمانية على الرافضة ومرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة...ّ" بالإضافة إلى أخذه عن الفلسفة اليونانية ولاسيما منطق أرسطو الذي تشبّع به و سعى إلى تطويعه لثقافة عصره بما يؤيد الشريعة الإسلامية و لا يتعارض معها.(نجد ملامح هذه النزعة إلى الأخذ من مذاهب عدة عند المعتزلة بعامة فقد أخذوا القول بالاختيار ومسؤولية الإنسان عن القدرية و أخذوا القول بنفي الصّفات وخلق القرآن عن الجهميّة ومبدإ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من الخوارج فلم يجدوا غضاضة في تكوين مذهبهم على أساس انتقاء الأفكار الرشيدة السائدة في عصرهم المستوحاة أصلا من الإسلام و التي صاغوها في مقولات فلسفية مستفدين في ذلك من التراث العالمي وعلى رأسه الفلسفة الإغريقية. ولعل هذا ما حدا ببعض الدّارسين إلى الحديث عن"توجه إنساني" في تفكيرهم .
- على أنّه يعترضنا في ثنايا كتابات الجاحظ الموسوعية – وخصوصا كتاب "الحيوان"- العديد من الأخبار والرّوايات و التعليلات التي تخالف العقل و المنطق مثل قوله أنّ نهر مهران السّند (وهو نهر الهندوس الذي ببلاد الهند) مصدره نيل مصر وقد استدلّ على ذلك بوجود التماسيح فيه مما جعل جغرافيّا كالمسعودي ينتقده لقلّة أسفاره وتقرّيه الممالك (انظر مقال شارل بيلا"الجاحظ" في دائرة المعارف الإسلامية) ومن أمثلة ذلك أيضا حديثه عن الذّباب الذي يخلق من التّعفن ومن الباقلاء إذا عتقت في الأقباء وعن الفراش يخرج من تحت صمامة الآنية المنغلقة حين يقول في حكاية الشيخ و الباقلاء(الحيوان):"وقد علمنا أن الإنسان يأكل الطعام ويشرب الشراب وليس فيهما حيّة و لا دودة فيخلق منها في جوفه ألوان من الحيّات و أشكال من الديدان من غير ذكر ولا أنثى ....و بعد فنحن ننزع الصمامة من رؤوس الآنية التي يكون فيها بعض الشراب فنجد هناك من الفراش ما لم يكن عن ذكر و لا أنثى....و إنّما ذلك لاستحالة بعض أجزاء الهواء وذلك الشّراب إذا انضمّ عليه ذلك الوعاء...ّ" وأشباه ذلك من المعلومات التي تبدو لنا اليوم أوهاما و خرافات لكنها كانت في عصر الجاحظ وظلّت لقرون طويلة من بعده من روايات العلماء كما هو الحال بالنسبة لإسقاط القول"بالتولد التلقائي" مما لم يتوصل العلم إلى إنكاره إلا في القرن التّاسع عشر الميلادي على يد لويس باستور لذلك فلا بد من وضع الآراء و التّمحيصات العلمية للجاحظ في إطارها التاريخي من تقدم العلوم في ذلك العصر. ويظلّ الجاحظ –على الرغم من ذلك- المفكّر العقلاني الذي سلّط العقل حكما على سائر ما يعترضه من قضايا بما في ذلك المسائل الاعتقادية التي أراد أن يكون العقل حجّة لها تؤيدها و لا تتعارض معها لأنّ الغاية من العقل هي الإيمان والبرهنة على حكمة الخالق.
2- مصادر المعرفة :
أ-المصادر النّقليّة:
لقد كان حرص الجاحظ على تحصيل الحقيقة و اكتساب المعرفة شديدا , يقلقه " قلقا معرفيا " و "فكريا " و يحمله على البحث , و التقصي , و الارتحال و التنقل سعيا حثيثا خلف مصادر المعرفة. لذلك حفل الحيوان –شأنه في ذلك شأن باقي مؤلفات الجاحظ –بالأخبار المختلفة يلتقطها من مختلف المصادر : مشافهة أو تدوينا , من القرآن و الحديث, و من متون النصوص الفلسفية ( أرسطو مثلا) أو الأدبية (نصوص الشعر العربي قديمه , و نصوص النثر أمثالا مذكورة و اقوالا مأثورة). كما حرص الجاحظ على أن يتلقف الأخبار من أفواه العامّة و الخاصّة , و أصحاب العلم , و أهل المعرفة و الدّراية : أهل الذكر و الاختصاص . فلم يتوان عن السؤال و الأخذ عنهم , و هو أمر مكّنته منه "شعبيته " إذ بقدر تقربه من الخاصة , كان كثير المخالطة لعامة الناس من ملاحين, و صيادين , و حوائين , و غيرهم ... ممن توطّدت صلتهم بالحيوان و اتصلت أسبابهم بأسبابه . و قد مثّلت الأخبار بالنسبة الى الجاحظ مصدرا من مصادر المعرفة لا غنى عنه , بل إنّ اهتمامه بالخبر جعله يمثله على جهة الضرورة و اللزوم بلذّة العشق الدّاعية الى التناسل , قال " و لولا حلاوة الأخبار و الاستخبار عند الناس , لما انتقلت الأخبار و حلت هذا المحل . و لكن الله عزّ و جل حبّبها اليهم لهذا السبب , كما جعل عشيق النساء داعية الجماع , و لذة الجماع سبيلا للنسل ".(الرسائل).
ب- المصدر العقلي:
لقد تأثر الجاحظ بنزعته المعتزلية , و بدا ذلك جليّا في منهجه العلمي الذي سار عليه و هو يجمع مادّته المعرفيّة من مظانّها النّقليّة . فلم يكتف بالجمع و العرض و إنما تجاوز ذلك إلى النّقد و المناقشة و المقارنة بين الأخبار, و إبداء الرأي فيها , و إتخاذ موقف علميّ منها . و قد حكم عليه عقله المتوقّد المتحفّز بأن يكون قليل الثّقة كثير الشّك في ما يصله من أخبار , لعلمه بطبيعة البشر و ميلهم الى التحريف و التزييف. و لذلك كان منطلق المعرفة لديه الخبر و الأثر , و منتهاها العقل الذي يحكم حكما فصلا بالقبول أو الرفض , أو بالقياس و التّجربة . و يمكن استجلاء العقل في هذا المستوى على صعيدين: صعيد المنهج العلمي, و صعيد الشخصية العلمية.
3- من تجلّيات المنهج العلمي عند الجاحظ :
- دراسة طبائع الحيوان وأساليب عيشه والبيئات التي يعيش فيها وطرق تكاثره وغذائه وأصنافه وجوانب من سلوكه وخصائصه....دراسة يتخلّلها الكثير من الآراء و الأفكار العلمية المتقدمة كالحديث عن تأثير البيئة في الحيوان و الإنسان والشّجر وبعض الأفكار عن الوراثة وتطوّر الأجناس وتأثير الغرائز (راجع في "الحيوان" حديثه عن الخلاسي من الدجاج وعن ابن المذكرة من المؤنث وعن قوة ثأثير الشهوة وطلب النسل يقول :" وعامة اكتساب الرجال وإنفاقهم وهمهم وتصنعهم وتحسينهم لما يملكون إنما هو مصروف إلى النساء و الأسباب المتعلقة بالنساء"-ج1ص104). .
- قيام المنهج التجريبي على الملاحظة المنظّمة للظواهر الطبيعية المراد رصدها وهذه الملاحظة تكون من طريقين:الخبر("قال أبو إسحاق"-"زعم ابن أبي العجوز"- "حدثني صديق لي ..."والعيان (" وقد رأيت بيض الحيات و كسرتها لا تعرف ما فيها )". ومن أمثلة العيان كذلك قوله:" وفي الذّبّان طبع كطبع الجهلان... فهو صنع غريب عجيب (يقصد تماوتها ثم عودتها إلى الحركة) ولو لا أنّ العيان قهر أهله لكانوا خلقاء أن يدفعوا الخبر عنه. " ثم يقول :" وجرّبت أنا ذلك في الخنفساء فوجدت الأمر فيها قريبا من صفة الجعل"). - وهذه الملاحظة هي في الأساس ملاحظة حسّية مباشرة ("فبينا نحن عنده إذ دخل عليه بعض من يجلب الأفاعي من سجستان ويعمل الترقيات فقال له: حدثهم بالذي حدثني به عين الأفعى...."/..."وزعم بغضهم أن لبعض الحيات لسانين وهذا عندي غلط و أظن انه لما رأى افتراق طرفي اللسان قضي بان لها لسانين فهي ملاحظة حسية تعتمد علي الحواس وعلى رأسها البصر مع ما قد يجر إليه دلك من خطا أو توهم "لعمري إنّ الحواس لتخطئ " . . - لكنّه من جهة اخرى تجريب علميّ يرقى إلى مستوى تعمّد العالم وضع الظّاهرة التي يرصدها موضوع الاختبار عن سابق قصد وتحكّم في ظروف إجراء الاختبار . يقول معترضا على بعض الروايات المتّصلة بقتل النّمل : "وقد جرّبنا ذلك ووجدناه باطلا " ولعلّ من أوضح الأمثلة على استخدام المنهج التجريبي ما أورده في حديثه عن الانتباه الغريزيّ للكلب حين قال : " فلمّا كان العشيّ صنعنا به مثل ذلك...وصنعت ذلك بكلب لي أخر..." وكذلك ما أورده في باب الحيّات أيضا في سياق تجربة النّور المنبعث من عيون بعض الأفاعي يقول أبو عثمان رواية عن محمد بن جهم عن أحد بائعي الأفاعي وصنّاع ترياقها بعد أن رأي في ظلام الليل وهو نائم ضياء ينبعث من مكان ترك فيه رأس الافعي: " فقمت فقدحت نارا و أخذت المصباح معي ومضيت نحو السّرير فلم أجد تحته إلا رأس الأفعي فأطفأت السّراج ونمت و فتحت عيني فإذا ذلك الضّوء على حاله فنهضت كصنيعي الأول حتّى فعلت ذلك مرارا قال : فقلت لآخر مرّة لا أرى شيئا إلا رأس الافعي فلو نحّيته فنحّيته و أطفأت السّراج ثم رجعت إلى منامي ففتحت عيني فلم أر الضّوء فعلمت أنّه من عين الأفعى....". - يتجلّى الطّابع العلمى للملاحظة في ما يصاحبها من عملية انتقاء وتركيز تهدف إلى عزل الظاهرة أو الواقعة التي يراد درسها آو تجريبها (عمّا سواها من الظّواهر والوقائع الأخرى التى لا تستوقف البحث ولا تستدعى اهتمامه ) والتي تثير الحيرة العلمية وحبّ الاكتشاف لديه وتسليط الذّهن عليه بغية تعرّفها وفهم خصائصها.
ففي ذلك سلوك - على بساطته- ما يدلّ على خطوة مهمّة من خطوات البحث والمنهج التجريبى الذي ينطلق من التجربة ليستخلص قانونا جزئيا ومن أمثلة هذه القوانين أو القواعد الجزئية ما أورده عن الانتباه الغريزي لدى الكلب حين استنتج " فليس يكون مثل هده إلا ّعن مقدارية بمقدار ما بين الوقتين " أو قوله حول تكرار التّجربة " فلم يجدوه غادرذدلك يوما واحدا ".
- أما الخطوة الثّالثة من خطوات المنهج العلمي التي تتضمّنها هذه الفقرة و مثيلاتها في كتابات الجاحظ، فهي أن الباحث بعد التجربة يخلص إلى الاستنباط العقليّ، ثم يعيد التّجربة مرة ثانية أو مرارا ليتأكّد من صحّة الاستنباط و من تطابق التجربة الواقعية.
مع الاستنتاج النظري: " ثم سألت عن ذلك – أي النور المنبعث من عين الأفعى – فإذا الأمر حق. و إذا هو مشهور في أهل هذه الصناعة"). وقد يخلص إلى تعميم قانون عن طريق الاستقراء كما في قوله بعد حديثه عن قوة الأفاعي :" و كلّ شيء ممسوح البدن ليس بذي أيد و لا أرجل فانه قد يكون شديد البدن كالسّمك و الحية ("الحيوان). - التّعليل أو البحث عن الأسباب، و من المعروف أن هذا سمة من أهم سمات التفكير العلمي، فبالسؤال "لم؟ " يفسر العلم العلاقة بين الأشياء و الظّواهر، و يربط بينهما في تنظيمات فكرية تساعد على تقدّم العلوم و تراكم المعارف، و التعليل أو ربط الأسباب بمسبّباتها من أنماط التفكير التي تكثر في كتابات الجاحظ. اذ نلحظها على مستوى الفكرة و المضمون، كما نلحظها على مستوى اللغة و المبنى (كما سيرد لاحقا)..
- التفكير المنظّم و التدرّج المخطّط مظهر آخر من مظاهر التفكير العلمي و العقلاني، و يتجلى هذا في مواضع كثيرة من أبحاثه حول الحيوان، كما يتجلى في رسائله، مثلما نجد في ذلك التدرّج الذي يسلكه عند توضيح أهمية التّرغيب و الترهيب (النفس مطبوعة على حب الخيرات و اجتناب المكاره + والخيرات موفرة : التأديب ضروري و إلا اختلت الحياة و فسدت/ و التأديب و سيلته الأمر و النهي- و الأمر و النهي و سيلته الترغيب و الترهيب – و هما موافقان لما طبع الله عليه النفس).
- التفكير النقدي: وهو تفكير تحليلي استدلالي نجد له أمثلة متعددة في تمحيص الجاحظ الروايات و تجريحها و إصدار الأحكام بتجريح صحّتها او خطئها او الشّك فيها، فقد اخضع الجاحظ ما تناهى إلى علمه من المرويّات للنقد و التحليل و التّقييم، و رفض ما لا يتفق مع العقل، و ما لا يثبت بدليل .
4- المفكّر المنهجي : الموضوعيّة و الشّكّ المنهجيّ :
الموضوعيّة و التّجرّد :
- رفض التّسرع في الحكم و التعجيل بالتصديق او التكذيب قبل التثبت :"و لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، كما لا يعجبني الإنكار له ". و يظهر ذلك في إيراد الروايات بسند صحيح ثابت كما سمعها أو نقلها إليه الثقات من أصحابه و شيخوخة من دون أي حكم مسبق لها او عليها، مثل إيراده تفصيلات حول طريقة الحيّة في اصطياد العصافير، و طرح وجهات النّظر المختلفة في المسألة التي يدرسها طرحا موضوعيا من غير تدخّل أو إصدار حكم إلا بعد التّمحيص و الشّك و التّحليل، كما فعل حين أورد الرّوايات المختلفة التي سمعها عن طريقة ولادة الأفعى.
- عدم الاغترار بظواهر الأشياء او الاستناد على المظاهر في تقييم الأمور :"أوصيك أيّها القارئ المتفهّم و أيّها المستمع المنصت المصغ ، أن لا تحقر شيئا أبدا لصغر جثّته و لا تستصغر قدره لقلة ثمنه "، ( الحيوان)
- الانطلاق في بحث المسألة بحثا عقليا من رفض الانقياد للمسلّمات او التّسليم لصحّة الأفكار المسبقة مهما تكن أو شائعة . و مهما يكن ثبات الرّواة و الثّقة في علمهم : "زعم ابن أبي العجوز أنّ الدّسّاس تلد و كذلك خبّربني به محمد ابن أيوب ابن جعفر عن أبيه و خبّرني به الفضل بن إسحاق بن سليمان فإن كان خبرهما عن إسحاق فقد كان إسحاق من معادن العلم " إلى أن يقول :" و لم اكتب هذا لتقرّ به ... ".
- بحثه عن المعلومة في مظانّها و مصادرها الأصلية و اتصاله بأصحابه المتخصّصين فيها و أمثلة ذلك كثيرة منها:" وسمعت حديثا من شيوخ ملاحي الموصل ..." " و خبّرني من يصيد العصافير ... وشكا إليّ حواء مرة ... - التّحري و الاقتصاد في الحكم : كثيرا ما يميل الجاحظ إلى التّرجيح و التّغليب أو الشّك و الاستبعاد و لعلّ ذلك من مظاهر تواضعه العلمي و تقديره للثّقات الذين يروي عنهم من أفذاذ العلماء في عصره كما في قوله: "و لا أدري أيّ الخبرين أبعد, أخبر ابن غالب في تفسيخ الثّوب (يقصد تقطّع الثّوب بتأثير سمّ الأفعى ) أو خبر ابن المثنّى في سلامة الفروج على الأفعى" . و لا تكاد تعترضك في كلام الجاحظ أحكام مطلقة أو أراء نهائية مؤكدة إلا متى كان الغلط فيها بيّنا ، كموقفه من ذلك الأعرابي الذي ادّعى وجود حيّة ذات رأسين، فسأله محاجّا:" من أيهما تأكل؟ " و لما أجابه بأنها تتعشّى بفم و تتغدّى بفم ، علّق قائلا :"فإذا به أكذب البريّة ". - استقلاله الفكري و عدم تبعيّته لأحد مهما تعاظمت مكانته العلميّة إلا متى أقرّ بصحّة رأي من أراء أساتذته و وافقه ، فقد رد ّعلى أرسطو في الكثير من المواضع التي نقل فيها عنه ( انظر مقدمة "الحيوان") لعبد السلام محمد هارون ط . مصطفى البابي الحلبي الثالثة- 1965 – ص 22) و من أمثلة ذلك قوله :"و قد سمعنا ما قال صاحب المنطق...و ما يليق بمثله أن يخلد على نفسه في الكتب شهادات لا يحققها الامتحان " (الحيوان) "

الشّكّ :
مثّل الشّك لدى الجاحظ طريقة في التّعامل مع مسائل المعرفة و منهجا من مناهج النّظر في الموجودات و معطيات الواقع الحسّي و الذّهني . و لعلّ الجاحظ أن يكون قد استلهم طريقة " الشّك الموصل الى اليقين " من أستاذه النّظام .
و يرى الاستاذ اليعلاوي أنّها طريقة تعتمد جملة من القواعد يمكن حصرها في :

*-عدم قبول الخبر مسلّما و عدم تكذيبه مبدئيا . يقول " و لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر و لا يعجبني الإنكار له "

*-معالجة الخبر لمعرفة مواضع الضّعف فيه و هي الموصلة الى اليقين . يقول " فاعرف مواضع الشّك و حالاتها الموجبة له لتعرف مواضع اليقين و الحالات الموجبة له .. " . فليس الشّك لديه لأجل الشّك في حدّ ذاته و إنّما طلبا لليقين . و مادام الشّك طريق اليقين فلا بدّ من تعلّمه و التّسلح به و إن لم يوصل الى معرفة يقينيّة . يقول " تعلّم الشّك في المشكوك فيه تعلّما فلو لم يكن في ذلك إلا تعرّف التوقف ثمّ التّثبت لكان ذلك ممّا يحتاج إليه ّ . و في تعامل الجاحظ مع الأخبار التي يجمعها إجراء واع لأدوات الشّك و نعني بها اعتماد منهج التجريح و التعديل بالنّظر في مصداقيّة السّند الناقل للخبر و مبلغ ثقته . ثمّ بتقليب المتن و موازنته و مقارنته و عرضه على التّجربة الملموسة أو العقل المستدل أو الخبرة المتراكمة أو المعرفة الحاصلة .

ليست هناك تعليقات:

صالح الزناتي

.
هل يستطيع أي صحفي أو اعلامي ان يتبرأ من المورثات الثقافيه التي يحملها ..؟؟ هل يقدر على التنصل من اخلاقيات الأديب والمثقف الكاتب؟؟ وهل يستطيع ان يخرج من البيئه التي يعيش بكامل أطرها ومعطياتها ,فيكتب مالا يقبله العقل والقلب ..؟؟ ان الكاتب أو الإعلامي لا بد ان يسير على نهج سلفه الصالح ..وان أمسك قلمه لا بد أن يحمل مع قلمه مشاعره ,احاسيسه ,ثقافته,ومورثاته الخلقية,فتأتي كتاباته تحمل الكروموسومات التي سبق ان حملها سواء من تجارب ثقافية أو مركبات جينية...
على الكاتب ان يزن احرفه وجمله قبل ان يسطرها قلمه فينشرها عبر الإنترت او شاشات التلفاز وأوراق الصحف,لأنه سابقاً قالوا ان غلطة العالم بألف ..فما بالنا بغلطة الكاتب أو الإعلامي .التي غطله واحده كفيله أن تغير او تشتت فكر أناس بسطاء لا يملكون من الدنيا إلا سطحية التفكير و هشاشة العقل

صالح الزناتي

مرحبا بكل من هل علي بالزيارة
مواقع و منتديات هامة و رائعة

tunisia sat

tunisia sat
site web tunisenne

tunisia-sport

منتديات تونس سات

startimes2

kuwait2

hannibal-sat

hannibal-sat
http://www.hannibal-sat.com/vb/

tunisia-web