السبت، أكتوبر 11، 2008

الوجود الجميل إلى إستطيقا الوجود

بقلم صالح الزناتي

إن الانشغال بالمسألة الجمالية عموما ، يدخل في صلب العمل الفلسفي. إذ أن مسالة الجميل طرحت منذ البدايات الأولي في المتن الفلسفي، بل أن التفكير في سؤال ما الجميل؟ قد انطبع بحدود الأنساق الفلسفية وبإكراهاتها النظرية الصارمة، إذ أن اللغوس أعلن أوليته وإطلاقيته علي حساب الأنظمة الأخرى فاعتبرها في كل الحالات دون المقتضي الأساسي للتجربة الفلسفية، وهو ما كان يقوي العلاقة المتناقضة بين الجميل والحقيقي ومن ذلك بين الفنان والفيلسوف.

إن الفنان بالنسبة لأفلاطون مثلا ، لا يفعل شيئا آخر غير أنه يحاكي الجمال الطبيعي الذي هو بدوره محاكاة لمثال الجمال، إذا الفن بالنسبة له محاكاة للطبيعة التي تحاكي مثال الأشياء، ومثال ذلك فكرة السرير التي يأخذها الحرفي قانونا لصناعة السرير ويخلق عندها السرير المحسوس والمادي أما الفنان فهو يحاكي هذا السرير المحسوس الذي حققه الحرفي، سرير هو ذاته نسخة.وهكذا يأتي الفن في المرتبة الثانية من النظام الأنطلوجي فهناك أولا الفكرة ، ثم الأشياء وأخيرا الإبداعات الفنية. وينطبع هذا الموقف ليعطي للجمال الفني البعد الذي يفصله عن ما هو حقيقي ، بل ليس إلا صورة وهمية تبتعد بنا عن ما هو كلي وأصلي ما دام يتورط في بعد مادي / حسي. إن الجميل لا يكون جميلا إلا بالجمال ، والجمال لا يكون في الأشياء ولا في الأشياء الفنية بل في عالم المثل باعتباره عالم حقيقي وجميل وخير، لذلك يميز أفلاطون بين الجمال في التجربة الحسية المباشرة باعتبارها صفة نحملها عن الكائنات والأشياء ويعتبره ظاهرا ليس إلا انعكاسا للجمال في ذاته أو لمثال الجمال، بحيث لا تكون الأشياء المحسوسة جميلة إلا بمشاركتها في مثال الجمال، ذلك أن فكرة الجمال أرقي من الانشراح الذي تسببه الأشياء الجميلة المحسوسة. إن أفلاطون يؤسس نظرية موضوعية للجمال ، إذ يبين في محاورة " المأدبة" كيف يمكن أن نرتقي من الرغبة في الأجسام الجميلة إلي حب الأنفس الجميلة، حتى ننتهي إلي تأمل الجمال في ذاته، وهو ما يقتضي ضرب من التدريب يرتقي من التطهير إلي الارتقاء وأخيرا التأمل، يعطي هذا التدريب شكلا جدليا صاعدا في اتجاه ما هو مطلق. إن أفلاطون يضحي بالفن والفنان من أجل طلب الكلي والمطلق الذي يعجز الفن عن استقدامه إلا بضرب من التشويه وخرقا للجمالية الحقيقية ولذلك يكون المطلب أساسيا في تحرير اللوغوس الفلسفي من كل محاكاة وفرار من ما حسي استعداد بالإنسان إلي مغامرة الوجود الحق والخير والجميل الذي لا يتأسس إلا بالتأمل وليس بالمحاكاة.

إن مثل هذا الفصل بين الجميل والحقيقي ، نجد صداه أيضا في تاريخ الفلسفة . إذ رغم الإجراء الإشكالي الذي حرر الأثر الفني من كل محاكاة واعتباره أثرا قائما بذاته يتعرف من خلاله الفنان على قدرته على الخلق والإبداع. فالأثر الفني بالنسبة لهيجل ليس إلا تعبيرا عن ما يتمثله الإنسان في صيرورة علاقته البحثية عن المطلق الذي لا يكون مطلقا في كمال كلي ومتعال ومنذ البدايات الأولي بل مطلق لا يكون إلا مجموع الوساطات التي يتوسط بها ذاته والعودة إلى ذاته أكثر بهاءً وجمالا. إن المطلق هو الشغل الشاغل للفيلسوف أما أمر قوله ضمن التجربة الفلسفية لا يكون يقينا ذاتيا أو إملاء أخلاقيا ولا تجربة فنية ، بل استنباطا من أنصاف الحقائق التي تورط فيها هذا المطلق وضاع فيها. إن الفن هو أحد هذه الأشكال التاريخية التي تعبر عن المضامين الحقيقية للحق وهو يبحث عن ذاته، في شكله البدئي الذي يتحول من الفن الرمزي إلي الفن الكلاسيكي إلى الفن الرومانسي الذي لا يبلغ المطلق إلا وهو متعلقا بشكل حسي يرتهن فيه ويتكسر علي حدوده. ولذلك فإن الأثر الفني يكون لا محالة تعبير عن الفكر وفي ذلك رفعته ولكن الفكر لا يكون متصالحا مع ذاته بل مجسدا فيما هو حسي وفي ذلك نقصانه. إن الجميل الفني جميل أرقي لا محالة من الجمال الطبيعي لأنه انعكاس للعمل الدؤوب في محاولة ترويض المطلق بالنسبة للإنسان. فهو شاهد علي أن الإنسان كائن كلي ، يعين فكره بنحو كلي، أي مفصولا عن كل وعي مباشر ، جزئي ولكن الأثر الفني يكون شاهدا أيضا علي ما لا يستطيعه الفنان من جهة إمكان هذا الكلي الذي يتمثله تمثلا أنانيا وحسيا فيختفي الكلي ويعجز الفنان في الإقبال عليه بنحو جميل.

إن الانخراط بالأثر الفني، في الصيرورة التمثلية لتكوينية الذات في البحث والتعبير عن ذاتها، هو ما يفتح للفن علاقة بالموجود والوجود، هي تلك العلاقة التي من خلالها يسعى الفنان إلى حمل الوجود ببصمته الذاتية وقدرته على اختراعه بنحو يشهد علي فعاليته التمثلية فيما هو متمثل، ولا يكون التمثل ممكنا إلا من خلال تلك الإضافة التي يمنح فيها الفنان للأشياء الحسية أبعادا تفصلها عن وجودها المباشر لترتقي بها إلي مطلب ما هو كلي وكوني . إن الجميل استقبال للكوني وللمطلق وبذلك يفتح هيجل مهمة الفنان والفن علي ما هو مطلق ، وهي المهمة التي سرعان ما يتراجع عنها،إذ أن المطلق لا يرقص إلا علي كماله الذاتي في تطابقه مطلقا مع ذاته ولا يكون ذلك إلا داخل المحراب الفلسفي وليس تحت ريشة الفنان أو سحر كلمات الشاعر كأشكال تخيلية لهذا المطلق. إن الفن إذا ليس إلا مجرد واسطة من أجل بلوغ هذا الارتقاء إلي ما هو فلسفي مطلق أي حقيقي ومعقول في تطابقه مع ما هو واقعي.إن واقعية الفن هي من جنس هذه الواقعية الناقصة ، أي واقعية تنحو إلي التعبير عن الواقع ولكنها تفشل في ذلك فيكون الفن ساعتها إنفصال عن حقيقة هذا الواقع إلي واقع خيالي يشهد بفشل الفنان والفن في التصالح مع الواقع الفعلي والحقيقي. إن هيجل يضحي مرة أخري بالفن علي مذبح الضرورة المنطقية لاكتمال النسق الفلسفي.

إن ربط الفن بالتمثل يحرره لا محالة من النظرة الأفلاطونية ولكنه أوقعه في أسر الفكرة وصيرورتها ليجعل الفنان مجرد شاهدا عليها وكان التجربة الإنسانية هي تجربة فكرية / تمثلية فحسب؟ وكان التمثل والتمثيل هو علاقة ما بالحقيقة . إن اختبار الإنسان خارج هذه التجربة التمثلية ، تكشف أن الإنسان أكثر بكثير واقل بكثير من ذلك، لأن الإنسان ليس هو ما يتمثله عن ذاته بل هو ما يكون ملقي به في العالم وفي الوجود بدون عون أي بدون واسطة سوي السلطوية منها.فهو خاضع إلي إستراتيجية سلطوية ، تتغلغل في قواه ضمن المفاعيل التي لا تفصله عن ذاته فحسب بل تخنق فيه الحق في الحياة ، في الجسد ، في الاختلاف لتحكم قبضتها عليه فتصيره ضمن قوة واحدة هي قوة إنتاج وإعادة إنتاج لما يجب قوله ولما يجب أن يراه. إن هذه الحاكمية وهذه الإستراتيجية الميكروفزيائية تكشف عن وهم التمثل والتمثيل وعن وهم الكلي عندما نرصده قضايا كلية، نبحث عنها في الماوراء أو في الإنسان أو في النزعات الإنسانية التي تتخذ من الكلي محطة يصلها الإنسان وفيها مقره ولكن بها موته أيضا. إن الكلي ليس في الذهن ولا في التاريخ ، لأن التاريخ لا ينشر عقلا ومعقولا، ولا هو بلورة لتمثل متمثل، بل هو مجموع الحيل والمفاعيل العرفانية ، السلطوية التي تزيف،وتسير ، تفصل وتصل ضمن أبعاد لا تعني الكلي ولا حتى الإنسان ولا الحقيقة والحق بل تعني السلطة مما يجعلها تمارس بما يقويها كسلطة تمارس من أجل خلق شروط الحياة كشرط جنائزي. إن ما تقوم به السلطة أمر يهم السلطة حتي تكون سلطة حيوية ، تتمفصل عبر قوي الفرد فتكون الأقوى لأنها الأقدر على الإخضاع والفصل أي على تفعيل إستراتيجيتها الحربية في النشر والانتشار والتحكم و التموقع بل لا يكون كل ذلك ممكنا إلا عبر وسائطها الحيوية .إن السلطة حيوية لأنها ليست فكرة ، ولا تمثلا، ولا تصورا ولا مفهوما بل هي مواقع ، أي مؤسسات وخطابات مرئيات ومنقال. إزاء هذا التفطن الذي جعل من ميشال فوكو يطرح السؤال : كيف يمكن مواجهة السلطة؟ أي ماذا يجب أن ننتظر من المثقف اليوم من دور إزاء هذه الإستراتيجية السلطوية؟هل ننتظر درسا في الخلاص؟ أم درسا في الحقيقة ؟ أم درس في المقاومة ؟

إن المقاومة ليست درس بل تموقع في كل مواقع السلطة وهي أيضا ليست فكرة بل فضح لأرشيف السلطة أي تموقع في وثائقها في سنداتها ومستنداتها ونشرها علي الملأ. إن التموقع فكر لا ينهض ليكون بداهة أو مطلق أو حضور تمثلي ولا هو انكشاف بل هو اشتباك أي مقاومة والتي تعني فك الارتباط أو فصل يخلق فضاءً ويخلق تفكيرا . إن المقاومة تتخذ شكلين - الحق في الاختلاف من أجل الحق في التنوع -الابتعاد عن كل دمج حتى تصبح الحياة حضورا جسديا في العالم. إن علاقة الذات بالذات هي مصدر للمقاومة ولذلك فإن المقاومة بالنظر لفوكو تعني الانثناء علي الخارج وخلق ثغرات في استراتيجية السلطة . لم يعد النضال يفهم أو يترقب إمبراطور الفقراء ولا ملكوت الآخرة ولا حتى عودة العدل بل يقوم مقام الهدف الواضح هو الحياة المفهومة كحاجات أساسية كاكتمال للحسي وللجسد :انجاز لإمكانات وككمال للممكن أي الحق في الحياة بجعلها أرضية للمقاومة بفك مراقبة السلطة عليها أي الحق في الجسد ، في الصحة أي في السعادة وأن يكتشف الإنسان ذاته ويتجاوز كل ما يمكن أن يكون اضطهادا واعتقال للحياة هو الفعل الجميل بحق. جمالية ترتقي إلي "فن إدارة الذات " تلك هي المقاومة وذلك هو طريق الجمالية عندما ينقطع الوجود عن التمثل وعن مطلب الكلي ليتعين مقاومة تخلق اشتباكا ربما يقتضي تأويلها كإتيقا للمشكل و لما هو إشكالي.

صناعة المسرحية عند سعد الله ونوس

بقلم صالح الزناتي


صناعة المسرحية عند سعد الله ونوس , قراءة في المدخل والإشارات الركحية
من خلال " مغامرة رأس المملوك جابر "
نور الدين بن حميده

يشترك مسرح سعد الله ونوس مع رؤية بريخت المسرحية في جملة من المبادئ أهمها المباعدة و الإغراب
المباعدة وهي ألا يندمج الممثل في الدور و كذلك المشاهد الذي يجب أن يكون يقظا و حاضرا طوال العـرض وأن يدرك أن ما يراه تمثيل و ليس حقيقة و ألا يكون موقفه إندماجيا بل موقف المفكر و المتأمل. فمطلوب من الطرفين ألا يتماهيا مع ما تعيشه الشخصية.
الإغراب وهو تحويل ما هو عادي عند المتفرج إلى غير عادي لخلق لحظة الإكتشاف عنده أي وضع المتناقضات في مقابل بعضها في سبيل التوصل إلى حالة من الوعي و التفهم وهكذا تكون الصورة المغربة صورة تجعلنا ندرك الموضوع و في نفس الوقت تشعرنا بأنه غريب عنا.

I- قراءة المدخل أو" هوامش للعرض و الإخراج".
يميز سعد الله ونوس بين مسرح التسييس و المسرح السياسي . ويحدد الفرق بين المساحتين بأن "الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور و تحاوره والثانية هي جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل ضواهر الواقع و مشكلاته"ص43 فالأولى تقوم على طرفين أحدهما يبلغ رسالة ما و الثاني يتقبلها أم الثانية فتقوم على إشتراك الطرفين في عملتي البث و التقبل مما يولد ضرورة العمل الإرتجالي. علما بأن الإرتجال والإشتراك في إنتاج التجربة المسرحية بشكل آني يفترضان صعوبتين: أولاهما ترسخ التقاليد المسرحية حيث لا سابق لمثل هذه العلاقة و ثانيتهما طبيعة المتفرجين النفسية و موانعهم الداخلية التي قد تمنعهم من الإنخراط في إنتاج التجربة. و هذه الموانع تدفع المسرحي إلى الانطلاق باصطناع جمهور مشارك أي" الممثل المتفرج" كبديل لما يمكن أو ينبغي أن يكون عليه المتفرج. و معلوم أن المتفرج سينتبه إلى ذلك . وهو انتباه مطلوب لـ "كسر طوق الصمت" والتكلم عن المتفرج بما يعتريه أثناء العرض, وبالتالي تحويل المتفرج بشكل ما إلى طرف في العرض رغم أن التدخلات المنبعثة من الصالة سيؤديها ممثلون مدربون.
و لهذا فعلى النص المسرحي أن يحتوي على أسباب إثارة الحوار بين الخشبة و الصالة كتعلق الموضوع بحياة المتفرج و مشاكله المعيشة آنها وهو ما يفترض إلمام الكاتب بكل ما يتعلق بالبيئة التي يكتب عنها.
إن حلم سعد الله ونوس هو أن تمتلئ المساحتان "بعرض تشارك فيه الصالة عبر حوار مرتجل و غني يؤدي في النهاية إلى هذا الإحساس العميق بجماعيتنا و بطبيعة قدرنا و وحدته"ص45 . و لا يفوت سعد الله ونوس أن يذكر بأن حرصه على الشكل لا يلهيه عن المضمون حيث يريد لتلك الهواجس الجمالية أن تفجر المشاكل و التطلعات السياسية. و بناء على كل ما تقدم يفترض أنه لا وجود لنص مسرحي نهائي لأن ظروف العرض هي التي ستشكله في كل مرة بما يتناسب مع المعطيات الموضوعية التي تساهم في إنتاجه. وهو يرى أن نموذج المقهى في مسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" نموذج للتجربة الساعية إلى كسر المسافة الفاصلة بين المساحتين . و لذلك فإن البداية كثابت فنيا في المسرح التقليدي يقع تجاوزها , و يراد لها أن تكون تلقائية غير خاضعة لتزمين معين و إنما بعد الشعور بالإنسجام بين المجموعتين. و على هذا نلاحظ أنه يهدف إلى كسر عقبتي الزمان و المكان و تحويل الحدث المسرحي إلى ما يشبه سهرة المنوعات وهويقترح مسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" كوسيلة اصطناعية قابلة للتعديل و التغيير.
وقد لاحظت أن سعد الله ونوس عبر عن كل تلك التنظيرات ضمن الإشارات الركحية محاولا التأكيد على وعيه بصعوبة المهمة.

II- تدخل الكاتب في مستوى الصناعة الفنية:
1- ضبط العلاقة بين الخشبة و الصالة: يمكننا أن نلاحظ أن الكاتب قد بدأ مسرحيته بما يجري في الصالة متدرجا عبر الإشارات في تقصي مظاهر الإنسجام المطلوب لإنطلاق التمثيل مراوحا في ذلك بين ما يرى :"تظل الرؤوس تتقارب في أحاديث جانبية" ص 58 و ما يسمع: "تنتهي أغنية و تبدأ أغنية جديدة" ص48, إلى أن يبلغ نقطة إلتقاء الخشبة بالصالة , فــ"يدخل خمسة ممثلين ثلاثة رجال وامرأتان..." ص64. و في هذا المستوى تنشأ العلاقة بين المساحتين في شيء من التناغم الفني. و لكي يجعلها أكثر توطدا , فإنه يفارق الزمان فيتطابق الماضي و الحاظر, ويفارق المكان فتتطابق الخشبة و الصالة في قوله: "يمثلون جميعا أهالي بغداد في ذلك الزمان يتقدمون من الزبائن و يتوزعون أمامهم"ص58. و على لسان الزبون1: "أي والله كأن الأحوال لا راحت و لا جاءت" ص58 ثم يتقدم في مزيد تثبيت طبيعة العلاقة بين الممثلين و الجمهور حيث يتكاملان و لا يعرقل أحدهما الأخر: "أثناء حديث الزبونين يظل منغمرا في متابعة مجرى ما يريد قوله" ص,64 بل إنه يعمد إلى بيان ردة فعل المتفرج من حين إلى آخر فـــ"يتوقف الخادم فجأة وهو يحمل صينية, و ينتبه ناحية الممثلين متابعا لعبتهم باهتمام" ص65. وقد ينغمس الكاتب مع الأحداث لفترة إلا أنه سرعان ما يعود للتذكير المباشر بحضور الصالة و ما يحدث فيها و لو بإشارة بسيطة :"لغط بين الزبائن ثم يتوضح" ص80, حتى لا يتناسى القارئ ذلك. و سيظل حريصا على توطيد أواصر العلاقة بين الخشبة و الصالة, فيجعل بعض الممثلين: "يقطع التمثيل ملتفتا إلى الزبائن"ص81, أو في الصالة "يخفت صوت الغناء و يصبح خلفية" ص 121. و تبدو العلاقة في منتهى التطور عندما : "السياف يتقدم من الزبائن حاملا الرأس المقطوع، ينظر إليهم و يقهقه" ص162. و تبلغ تلك العلاقة منتهاها باندماج المساحتين في قوله "و يعم الصمت فترة مديدة, ثم ينهض الرجل الرابع من بين القتلى و يقف قرب الحكواتي.. بعد قليل تظهر زمرّد في الطرف الآخر فيناولها الحكواتي رأس المملوك جابر تحتظنه و تقبله... و بحركات بطيئة كالطقوس يتقدم الثلاثة من الزبائن تتوسطهم زمرّد التي تحمل الرأس بين يديها" ص166
يتضح مما تقدم أن الاشارة الركحية تنهض بوظيفة دقيقة تنم عن خلفية فكرية ذات تجليات اجتماعية , من أهدافها دحض الفوارق وتسوية الأوضاع ضمن مساحة واحدة على مبدا التشارك في كل شيء .
2- الإشراف على الديكور: يقوم الكاتب عبر الإشاراة الركحية بعمل المخرج في تحديد قطع الديكور و لأن المسألة في منطلقها النظري تجري دون ستار و على أعين الجميع ,فكثيرا ما نجد الكاتب يعمد إلى إبراز تلك الناحية. قد يكون تدخله من باب الوصف العام لما يجري كقوله :"يدخل الممثلون الخمسة و هم يحملون معهم شباك فرن و بعض القطع الأخرى التي يمكن أن توحي بمنظر شارع عام" ص69و يمكن أن يرد على شاكلة الإقتراح: "يمكن هنا في كل المشاهد الإستعاذة عن ذلك بالبانوهات المرسومة" ص69. كما أنه لا ينسى أن يشير إلى ما ينبغي عمله بقطعة الديكور بعد أن تؤدي دورها: "ثم يحمل قطع الديكور و يخرج هو الآخر" ص.146. وقد تتعدد مستويات السرد و تتداخل الإشارة و سرد الحكواتي ,فيذهب الكاتب إلى التذكير بما يجري على الخشبة من تعديل الديكور كقوله :"خلال كلام الحكواتي توضع قطع ديكور تمثل ديوان الوزير" ص 96. أو قوله: "يضعان ما يحملان من قطع ديكور بسيطة تمثل ديوان الخليفة" ص123. وهو في هذين المثالين يبين أن كلام الحكواتي هي الفسحة الفنية التي يغتنمها الكاتب لتغيير الديكور. و هكذا فإن تغيير الديكور لم يعد يقتضي التوقف عن التمثيل و إنزال الستار. و سعد الله ونوس يحاول في هذا الخصوص أن يكون وفيا لما أورده في المقدمة. و قد يدفعه حرصه على التدخل في خصوصيات العمل الفني إلى تجاوز الديكور العام إلى بعض تفاصيله مثل الإضاءة وهي عنصر أساسي دال في المسرح. و لكن إعراضه عن جملة من التقنيات و الممارسات التقليدية من زمان و مكان هو ما جعله يشير إلى هذا العامل التقني مرة واحدة خلال المسرحية في قوله :"تسقط حزمة ضوء على رأس جابر فينبثق منه لمعان" ص114. والغريب أن هذه الإشارة الوحيدة ارتبطت برأس جابر الذي كان من أهم محاور المسرحية.
3- الإشراف على الممثلين: تصور سعد الله ونوس من خلال الإشارات أن الممثل الواحد يمكن أن يكون صالحا لآداء أكثر من دور من منطلق ما في الدور من مباعدة, إذ ليس عليه نظريا أن يتماهى بالشخصية التي يتقمصها. و لهذا وجدناه يحدد أدوار الممثلين و ينوعها في مرات عديدة كقوله :"بينما الحوار مستمر يدخل رجل رابع يحمل كيسا فارغا. ينبغي أن يقوم بدوره نفس الممثل الذي يقوم بدور منصور و إن بدا الآن أكبر سنا" ص83.أو قوله: "يدخل الممثلان اللذان قاما بدوري الوزير و الأمير عبد اللطيف" ص.123. و يكرر نفس الإشارة تقريبا مع إضافة ما يطرأ من تغيرات :"يؤدي الدورين الممثلان اللذان أديا أولا دوري الوزير و عبد اللطيف و ثانيا دوري الخليفة و عبد الله" ص .153. .بل إنه يذهب أحيانا إلى تسلم دفة السرد من الحكواتي و نقل ما يجري على الركح كبديل عن الممثلين: "تتم رواية هذا المقطع على صوت خبب الخيول و صليل السيوف و تقطعه الصرخات.. و بين حين و آخر يندفع بعض اللذين تعرفهم ممن مثلوا عامة بغداد أو سواهم" ص165. حتى إنه يمسرح الحكواتي فيجعله يغادر الكرسي وهو يروي و "يجول بين الأجساد التي تتكدس" ص.165. و من أدلة إشرافه الكامل و تمثله لتفاصيل ما يجري,حرصه في الإشارة على التنبيه إلى إتجاه الممثل للتذكير والإشادة بنوعية علاقته بالجمهور كقوله :"يركع جابر بحركة بطيئة و وجهه للجمهور بحيث تبدو واضحة كل الإنفعالات التي يمكن أن تعبره" ص115.
لقد بدا سعد الله ونوس من خلال الإشارات الركحية حريصا على متابعة الممثل وهو يتحرك على الخشبة و بين
الحضور, و مهتما بأدق التفاصيل. إنه يشير حتى إلى إنعدام الحركة كقوله "يستمر المشهد و يتم إيمائيا على صوت
الحكواتي" ص161. و هكذا يبقى المشهد قائما في ذهن القارئ بتفاصيله. إن الكاتب ينقل عن الشخصية كل ما
يتعلق بها محددا جميع حركاتها كما يتصورها أو كما يقترحها. فالوزير:" يدور قاضما شاربه بأسنانه" ص.97. مما
يجعله في حالة من التوتر النفسي. وهو في أحيان كثيرة ينقل الحركة و يحلل أبعادها كقوله عن جابر ": يبالغ في
الإنحناء و يزيد من مظاهر الإحترام حتى لينكشف النفاق واضحا" ص.103. و لكل هذا صلة وثيقة بتقديم سعد الله
ونوس لشخصياته في الإشارات الركحية.

III- تقديم الشخصية:
بنى سعد الله ونوس تقديم الشخصية ,من خلال الإشارة الركحية ,على ثلاثة قوائم أساسية: الملامح العامة والخصوصيات التأهيلية أي ما يؤهل الشخصية للعب الدور, ثم مدى قدرتها على التكيف مع الدور أو الأدوار التي تؤديها.
1- الملامح العامة: و نلحظ ذلك منذ بداية المسرحية حيث يقدم شخصية :"العم مونس رجل تجاوز الخمسين حركاته بطيئة وجهه يشبه صفحة من الكتاب القديم الذي يتأبطه" ص51 ..فالتقديم إلى حد هذا المستوى يبدو تقليديا كما في جل الكتابات الأدبية ,عدا عن الملاءمة بينه و بين الكتاب و ما في ذلك من دلالة. كما أنه في تقديم شخصية المملوك جابر توخى نفس الأسلوب تقريبا حيث إنه: "شاب تجاوز الخامسة و العشرين من عمره معتدل القامة شديد الحيوية يمتاز بملامح دقيقة و ذكية" ص59. و كذلك صديقه:"المملوك منصور في حوالي الخامسة و الثلاثين من عمره أو أكثر قليلا قامة قصيرة و بنية قوية ملامح وجهه تشف عن وداعة و طيبة" ص59 . إلا أنه سيجاوز التقديم التقليدي الذي يعتمد القامة و السن و الملامح العامة مع بعض الشخصيات الأخرى و ستجد نفسها في دولاب الحدث المسرحي مع الإستقراء التدريجي لبعض خصوصياتها.
2- الخصوصيات التأهيلية: عندما قدم سعد الله ونوس شخصية العم مونس لم يتوقف عند ملامحها العامة ,و لكنه رسخ فيها من الصفات ما يمكن إعتباره مؤهلا للعب دور الحكواتي , و الحفاظ على الحياد طيلة المسرحية التي تشهد عديد الإهتزازات. فدوره يقتضي ضربا من اللامبالاة تجاه ما يجري حوله لأنه هو الذي ينتجه بشكل ما. و لذلك قال عنه: "عيناه جامدتا النظرة, و رغم إختباط لونيهما فانهما توحيان بالحياد البارد... على العموم هو الحياد البارد الذي سيحافظ عليه تقريبا خلال السهرة كلها" ص51 . و يمكن أن نلاحظ أنه اهتم بترسيخ خصوصية الحياد البارد باعتبار ما يقتضيه الدور. إلا أنه في تقديم شخصية جار يرى: "في عينيه خاصة يترامى بريق نفاث يوضح انطباع الذكاء و يؤكده" ص 59 . فبعد أن ننتهي من قراءة المسرحية نفهم أنه أراد لتركيبة هذه الشخصية أن يشقها تناقض ما بحكم وضعها الإجتماعي و حلمها بالإرتقاء. و إذا بالذكاء وحده لا يشفع و المهم أن ما وصفت عليه شخصية جابر من ذكاء هو ما أهلها لمتابعة الدور إلى أواخره. ومن خلال هذا نفهم أن سعد الله ونوس قد اختار الشخصيات التي تصورها مناسبة لما طرحه و نظر له خاصة على مستوى قدرتها على التكيف والتأقلم و التنوع في أداء الأدوار.
3- تكيف الملامح مع مقتضيات الأدوار: تجمع الشخصية الفنية على شخوص والمهم بالنسبة إلينا أن سعد الله ونوس جعل الشخصية الواحدة قادرة على الاضطلاع بأكثر من دور, و بالتالي تقمص أكثر من شخصية كلما اقتضى الأمر ذلك . وهو ما طرحه منذ البداية. و لا يظهر ذلك فقط في تصريحه أكثر من مرة بأن هذه الشخصية أو تلك هي التي أدت الدور السابق لشخصية أخرى مثل قوله :"ينبغي أن يقوم بدوره نفس الممثل الذي يقوم بدور منصور و إن بدا الآن أكبر سنا" ص 73 , إذا ليس في هذا المستوى فحسب بل كذلك في مستوى اقتدار و مهارة الممثل العمليين. فملامح جابر الدالة على الذكاء الوقاد تصبح " على وجهه تتخايل ابتسامة الخبث" ص60 . و الملامح البادية على وجه المرأة تصبح إختزالية دالة على حالة نفسية تعتري جماهير بغداد عندما :"يرتعش وجهها بالخوف و ترتبك" ص78 . أو عندما يبرز في جابر قدرته على المباعدة و عدم التماهي وهو: "يمضي مغنيا وسط ذهول الآخرين" ص94 . كما أنه كثيرا ما يعقد الصلة بين الظاهر والباطن عبر وصف الملامح الخارجية المؤدية إلى التفاعلات النفسية كقوله عن الوزير :"بدأ يغضب و يزوي ما بين حاجبيه" ص104. أو التصريح بتلك التفاعلات و دلالاتها كقوله عن عبد الله أخ الوزير :" تلوح على وجهه أبشع علامات الإزدراء" ص 128. و على هذا نلاحظ أن سعد الله ونوس وظف الإشارة الركحية لتفعيل تصوره لما يمكن أن تنجزه الشخصية عبر جملة تحركاتها المسرحية.

IV- الحركة المسرحية:
عرفنا أن تحركات الممثل على الخشبة أساسية دالة بذاتها وهو ما استوجب النظر فيها من خلال إشارات الكاتب . و قد اشتملت تلك الإشارات جملة من الحركات البسيطة التي تؤديها الشخصية وهي تتنقل على الخشبة, و كذلك الأفعال التي ضخها الكاتب لدفع الحدث المسرحي و تكثيف المسار السردي.
1- الحركات البسيطة الدالة: قد يرد هذا الصنف من الإشارات بكلمة تحيل على الحركة :"يدخل الزوج" ص 129, أو: "و يخرجا" ص142, أو بجملة فعلية يميز الحال فيها نوعية الحركة كقوله :"و يخرج متخفيا" ص 148, و ما إلى ذلك من الأفعال المماثلة التي يعلو نسقها و ينخفض بحسب ما يعتري الأحداث من حركية. وقد ترد الاشارة باسم يعوض الفعل كقوله :"صمت" ص 143, أو بمجملة إسمية "وهو ينصرف" ص .146. إن هذه الحركات البسيطة هي التي تكفلت بمهمة نقل الإهتزازات الطارئة على أنساق الحدث في كل مرة مرة.
2- الحركات المكثفة: إن استغراق الكاتب في نقل تلك الحركات هو ما يدفعنا إلى الإعتقاد بأنه يريدها وظيفية في نقل المشهد بدقة, أو في دفع المسار الحدثي. فعند قدوم الحارسين على أهالي بغداد وارتعاب الناس يبدو الرجل الرابع متزنا حكيما عاقلا من خلال إشارة الكاتب حيث كثافة الأفعال التي تعكس تلك الأبعاد في قوله: "ينتبه إلى إقترابهما... يغير الكلام و يواصل دون تلعثم، يتابعه الآخرون بخوف و دهشة" ص 79 . إن طبيعة العطف بين أفعال الإشارة هي التي تعكس ما على الشخصية من اضطراب و قدرة على تدارك الموقف في آن. و لذلك يضيف :"كلما اقترب الحارسان يعلو صوته" ص79 . إلا أن هذه الحركات المكثفة قد لا تكون ضمن إشارة واحدة , بل على إشارات متقطعة يتابع الكاتب من خلالها الشخصية ليبين تصاعد ملمح ما في داخلها كتصاعد الغضب في صدر الوزير وهو ما صوره عبر تكرار حركة النشوق. فمن :"يتناول نشوقه" ص 103, إلى: "فيما يبدأ الوزير يعطس" ص104: إلى "مندهشا... يتناول النشوق,و بحركة آلية يدس منه في أنفه" ص 105, حتى قوله: "مندهشا...تتوقف يده التي تبحث عن بعض النشوق" ص 107 , بعد أن صار "نافذ الصبر" ص106. وهكذا فمتابعة الحركات جاءت لتبين تصاعد وضع نفسي ما. و لعل أكثر موطن تتكثف فيه الإشارات هو أواخر المسرحية عندما يصبح جابر بين يدي السياف و تتسارع تساؤلاته و دقات قلبه و تفاعل المتقبلين معه. فيبلغ الأمر حد التداخل بين سرد الحكواتي و تولي الكاتب للعملية السردية باعتبار كثرة الإشارات الركحية. فمن صفحة 159 إلى صفحة 161 سيراوح الكاتب بين جملة يقولها جابر و إشارة يعلقها بنفسه. وهو ما يجعل النص متسقا منسجما مع النسق العام لمجريات الأحداث في تلك اللحظة المسرحية. إن كثرة الأفعال في تلك الإشارات هي التي دفعت بالأحداث إلى التسارع تناسقا مع ما في نفس جابر من اضطراب.

V- تداخل الإشارة بسرد الحكواتي:
الواضح أن الكاتب قد استجلب شخصية الحكواتي ليوكل إليها مهمة سرد الأحداث كلما اقتضت الضرورة الفنية ذلك, إلا أنه يحدث أن تتداخل مستويات السرد فتقوم الإشارة بجانب من تلك الوظيفة. وقد حصل في بعض المواطن الحدودية بين جمهور المقهى و الممثلين (و الكل ممثلون) عندما اقتضت الضرورة أن تقوم الإشارة بوظيفة التنسيق كقوله: " أثناء الحوار السابق يعود بنا المشهد إلى رواق في قصر الوزير" ص 88. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى استبدال الحكواتي بالإشارة , و كأن الكاتب , وقد أفلت منه القلم , ينساب مع الحركة السردية فينوب عن الحكواتي . و خير مثال على ذلك الفقرة الواردة بين صفحتي 95 و 96 حيث تبدأ الإشارة على أعقاب كلام الحكواتي للتذكير و التعديل في البداية: "خلال كلام الحكواتي توضع قطع ديكور تمثل ديوان الوزير"ص 96 , ثم الوصف و تقديم الشخوص و وصف ما يوجد بديوان الوزير. لكن اسهابه في وصف شخصية الوزير و بعض حركاته يجعل الإشارة تتجاوز حدودها التقليدية إلى مشاركة السارد في تحيين مسار الحدث.
و إذا اعتبرنا أن الحكواتي نفسه شخصية مسرحية، فلابد لها من واصف. لقد قدمها الكاتب في بداية المسرحية و لذلك فإنه يتعهدها بالمتابعة من حين لآخر كلما اصبحت طرفا في الحدث كقوله: "يخفت الضوء في القاعة... بينما يشتد على الكرسي الذي يجلس عليه الحكواتي – إلى قوله – تمتزج الحركات بكلام الحكواتي و تشكل معها ما يشبه اللحن الحزين" ص 111. و بعدها مباشرة يستلم الحكواتي زمام السرد :"و طلب الوزير أن يحضر الحلاق في الحال" ص111. و لكن الكاتب يعود فيأخذ منه ذلك الزمام لينقل الحركة المسرحية و يصف ما يجري على الركح بشكل مواز: "يدخل الحلاق ووراءه الغلمان الثلاثة" ص111. إلا أن هذه الإشارة تسهب هي الأخرى لتجمع بين التقديم و الوصف المفصل و المساهمة في الإخراج المسرحي. و بنفس الطريقة يمكننا فهم الإشارة الواردة بالصفحة 115: "يركع جابر بحركة بطيئة", حيث يصبح السرد على السرد واضحا.

VI- تفاعل السمعي و البصري في الإشارة:
إن الكاتب هو صانع المسرحية الأول. و على هذا فهو من يرى و يسمع كل شيء. و إذا كان المرئي هو المهيمن على ما تنقله الإشارات، فإن المسموع لم يعدم، ذلك أنه كثيرا ما نقل الأصوات كقوله: "تنتهي أغنية و تبدأ أغنية" ص 48 ,أو: "الضوضاء تنتشر في المقهى... كلام و أحاديث جانبية و قرقرة نراجيل و سعلات جافة و أحيانا نسمع الحوارات الجانبية التي تعلوا فوق الأغنية" ص48 . إن هذه الدقة والإلمام هي من باب الواقعية في نقل المشهد بأصواته جميعها. ومثل هذا متواتر في المسرحية. مع العلم بأن بعض الإشارات الناقلة للصوت جاءت لتعميق البعد الدرامي كقوله :"يعلو صراخ الطفل" ص130 ثم: "الصراخ يعلو" ص 130, و بعدها :"بلهجة يرعشها الخجل و الغضب" ص 131. و كل هذه الإشارات في وصف وضع بائس تعيشه عائلة من واقع بغداد الممزق . و لتثبيت تلك المسحة الاشكالية يقول في وصف الزوجة :"يغص صوتها بالبكاء" ص131. أو: "مع شهيق دموعها"ص 132, على أساس أن تضرر العامة هو ما يهمه في نهاية الأمر. و تكرر الإشارات الناقلة لصوت البكاء عبر المسرحية يعطيها وظيفة أخرى. ففي وصفه للمرأة الأولى: "وهي تبكي "ص152, ثم مرة أخرى بنفس العبارة :"وهي تبكي" ص152, نجده يدفع إلى شحن الأنفس و تعبئة الناس ضد مثل هذه الأوضاع. وهي الخلفية الفكرية التي تحكم المسرحية فلا غرابة خاصة متى عرفنا أن التغريب مقصود.

علم النفس ومبادئه...

بقلم صالح الزناتي



علم النفس (Psychology) : هو العلم الذي يدرس السلوك سواءً كان هذا السلوك ظاهراً أو باطناً فهو يدرس السلوك الظاهر كالأفعال التي يقوم بها الفرد، والسلوك الباطن كالتفكير والتخيل والتذكر. وعلم النفس الحديث بدأ مع إنشاء أول مختبر لعلم النفس التجريبي في ألمانيا على يد فونت عام (1879) وأصبح علماً له موضوعه ومنهجه القائم على التجربة مما أدى إلى إحداث تطور كبير في مسيرة هذا العلم فظهرت مدارس عديدة في العالم نذكر منها المدرسة السلوكية ويمثلها واطسن ومدرسة التحليل النفسي ويمثلها فرويد ومدرسة الجشطلت ويمثلها فيرتهيمر. وينقسم علم النفس إلى فروع كثيرة نذكر منها، علم النفس العام، وعلم النفس الفسيولوجي وعلم النفس التربوي وعلم نفس النمو وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس العسكري، وعلم النفس الجنائي وعلم النفس المهني.

الانفعال (Emotion): هو اضطراب حاد يشمل الفرد كله ويؤثر في سلوكه وخبرته الشعورية ووظائفه الفسيولوجية الداخلية وهو ينشأ في الأصل عن مصدر نفسي، ويستثار عندما يواجه المرء ما يؤذيه أو يهدده فيصبح نشاطه كله مركزاً حول موضوع الانفعال، ويصاحب الانفعال تغيرات فسيولوجية داخلية مثل خفقات القلب، وارتفاع ضغط الدم واضطراب التنفس واضطراب في عملية الهضم.

الانحراف السيكوباتي: هو سلوك لاأخلاقي، أو هو سلوك مضاد للمجتمع يسيطر على الشخصية السيكوباتية ويتميز هذا السلوك (بنزوات) ولا يراعي الفرد المسؤولية في أفعاله وينحصر همه بإشباع اهتماماته المباشرة والنرجسية دون اعتبار للنتائج الاجتماعية.

البارانويا (Paranoia): اضطراب عقلي نادر ينمو بشكل تدريجي حتى يصير مزمناً ويتميز بنظام معقد يبدو داخلياً منطقياً ويتضمن هذاءات الاضطهاد والشك والارتياب فيسيء المريض فهم أية ملاحظة أو إشارة أو عمل يصدر عن الآخرين، ويفسره على أنه ازدراء به ويدفعه ذلك إلى البحث عن أسلوب لتعويض ذلك فيتخيل أنه عظيم وأنه عليم بكل شيء.

الغريزة (Instinct): هي عبارة عن دوافع طبيعية أساسية لسلوك الفرد ونشاطه تزوده بالقوة الحيوية الدافعة وتحدد غاياته وهي فطرية في الإنسان تولد معه والغريزة هي التي توجه انتباه الفرد نحو غايةٍ أو غرضٍ ما فيدركه ويشعر حياله بشعور خاص، لذلك فهو يسلك نحوه سلوكاً خاصاً أي أن للغريزة غرضاً ترمي إليه، فالغريزة الجنسية مثلاً تهدف إلى الحفاظ على النوع ولكل غريزة شعور خاص بها فالغضب يثير غريزة القتال والخوف يثير غريزة الهرب، والتعجب يثير غريزة الاستطلاع.

السلوكية (Behaviorism): هي مدرسة في علم النفس، تعتبر السلوك مجرد استجابة فسيولوجية للمثيرات التي تحدثها البيئة الخارجية وهي تستبعد كل ما هو غير ملاحظ ولا تأخذ بعين الاعتبار عوامل الوراثة أو الفكر أو الإرادة فمنهجها موضوعي، موضوعه الرئيسي هو السلوك وهي تهدف إلى التنبؤ بالسلوك وتحديد الكيفية التي يستجيب بها الفرد للمثيرات. ولقد راجت هذه المدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية ويعتبر واطسون رائد هذه المدرسة ومؤسسها ومن ممثليها كيو، سكنر ثورانديك.

الارشاد النفسي والطب النفسي (Psychidtry - counseling) : يهتم الطب النفسي بتشخيص اضطرابات الشخصية والكشف عن أسبابها ومن ثم الكشف عن أسباب سوء توافق الفرد والعمل على علاجها. كما في بحث الطبيب عن أسباب القلق مثلاً أما الارشاد النفسي فهو يهتم بالأفراد الأسوياء الذين يأتون إلى المرشد النفسي طلباً للمساعدة وليس للعلاج.

الهو (Id) : حسب فرويد هو الجانب اللاشعوري من النفس، الذي ينشأ منذ الولادة ويحتوي على الغرائز التي تنبعث من البدن والتي تمدنا بالطاقة النفسية اللازمة لعمل الشخصية بأكملها فهو جانب غريزي غير خاضع لتأثير المجتمع والأخلاق وهو دائم السعي للحصول على اللذة وتجنب الألم ويخضع لمبدأ اللذة وليس لمبدأ الواقع وهو الذي يمد الجانبين الآخرين، الأنا، والأنا الأعلى بالطاقة اللازمة لعملياتهما ويحتوي في الوقت نفسه على العمليات العقلية المكبوتة التي استبعدتها المقاومة عن الأنا. وهكذا فإن الأنا، والأنا الأعلى هما اللذان يكبحانه ويعملان على لجمهِ والسيطرة عليه.

الأنا الأعلى (The super ego): القسم الثالث من الشخصية، ينمو تحت تأثير الواقع ويمكن النظر إليه على أنه سلطة تشريعية تنفيذية أو هو الضمير أو المعايير الخلقية التي يحصلها الطفل عن طريق تعامله مع والديه ومدرسيه والمجتمع الذي يعيش فيه والأنا الأعلى نزاع إلى المثالي لا إلى الواقعي، يتجه نحو الكمال لا إلى اللذة. ويوجه الأنا نحو كف الرغبات الغريزية للهو وخاصة الرغبات الجنسية والعدوانية، كما يوجهه نحو الأهداف الأخلاقية بدلاً من الأهداف الواقعية.

الأنا (The ego): هو أحد الجوانب اللاشعورية من النفس، يتكون من الهو وينمو مع الفرد متأثراً بالعالم الخارجي الواقعي ويسعى للتحكم في المطالب الغريزية للهو مراعياً الواقع والقوانين الاجتماعية، فيقرر ما إذا كان سيسمح لهذه المطالب بالإشباع أو بتأجيل إشباعها إلى أن تحين ظروف وأوقات تكون أكثر ملاءمةً لذلك، أو قد يقمعها بصورة نهائية. فهو يراعي الواقع ويمثل الادراك والحكمة والتعلم الاجتماعي ولقد شبه فرويد علاقة الأنا بالهو برجل يمتطي جواداً يحاول السيطرة عليه وتوجيهه.

الاستبصار (Insight): مصطلح في علم النفس يعني التأمل الباطني introspection للذات ووعي المرء بدوافعه الرئيسية ورغباته ومشاعره وتقييم العقلية الخاصة وقدراته ومعرفته بنفسه، والمصطلح يفيد معنى آخر هو تفهم المريض للعلاقات القائمة بين سلوكه وذكرياته ومشاعره ودوافعه التي كانت من قبل، كما يعني أيضاً الادراك الفجائي لعناصر موقف ما وادراك علاقات هذه العناصر بعضها ببعض مما يؤدي إلى فهم الموقف بشكل كلي.

الاستبطان (Introspection): هو تأمل الفرد لما يجري في داخله من خبرات حسيةٍ أو عقليةٍ. ولقد بدأ المنهج الإستبطاني مع العالم الألماني فونت (1832 1920) وكان يهدف إلى معرفة ما يجري للعقل الإنساني عندما يخضع لمؤثرها. والاستبطان يتناول أيضاً الحالات الشعورية القائمة، أو السابقة وقد استخدم هذا المنهج بشكل واسع في الدراسات النفسية، إلا أن المدرسة السلوكية استبعدته واعتبرته منهجاً غير علمي لأنه يعتمد على الملاحظة الذاتية وليس الموضوعية.

الإحباط (Frustration): يقصد بالإحباط في علم النفس، الحالة التي تواجه الفرد عندما يعجز عن تحقيق رغباته النفسية أو الاجتماعية بسبب عائق ما. وقد يكون هذا العائق خارجياً كالعوامل المادية والاجتماعية والاقتصادية أو قد يكون داخلياً كعيوب نفسية أو بدنية أو حالات صراع نفسي يعيشها الفرد تحول دونه ودون إشباع رغباته ودوافعه. والإحباط يدفع الفرد لبذل مزيد من الجهد لتجاوز تأثيراته النفسية والتغلب على العوائق المسببة للإحباط لديه بطرق منها ما هو مباشر كبذل مزيد من الجهد والنشاط، أو البحث عن طرق أفضل لبلوغ الهدف أو استبداله بهدف آخر ممكن التحقيق. وهناك طرق غير مباشرة، يطلق عليها في علم النفس اسم الميكانزمات أو الحيل العقلية mental mechanism وهي عبارة عن سلوك يهدف إلى تخفيف حدة التوتر المؤلم الناشىء عن الإحباط واستمراره لمدة طويلة وهي حيل لاشعورية. يلجأ إليها الفرد دون شعور منه. من هذه الحيل: الكبت، النسيان، الإعلاء، التعويض، التبرير، النقل، الإسقاط، التوجيه، تكوين رد الفعل، أحلام اليقظة، الانسحاب، والنكوص. وعندما يتكرر حدوث الإحباط لدى فرد ما فإنه يؤدي إلى مشاكل نفسية معقدة وخطيرة تستدعي العلاج وقد يكون الإحباط بناءاً في بعض الأحيان لأنه يدفع بالفرد لتجاوز الفشل ووضع الحلول الملائمة لمشاكله.

التخلف العقلي (Mental retardation): هو نقص في مستوى الذكاء العام، ويعتبر الشخص متخلفاً عقلياً فيما إذا كان حاصل ذكاءه (70) أو أقل من (70) وهذه الحالة تتميز بمستوى عقلي وظيفي عام دون المتوسط وتبدو أكثر ما تبدو خلال مرحلة النمو مصحوبةً بقصور في السلوك التكيفي للفرد وقد يبلغ التخلف العقلي مرحلة أشد تعقيداً تكشف عنها الأوضاع العصبية المرضية والحالات الفسيولوجية الشاذة التي تصاحبها وعادة ما يعتمد في تشخيص التخلف العقلي على استخدام اختبارات الذكاء المقننة.

الجنون: هو التغيرات العقلية التي تطرأ على بعض الناس فتخرجهم عن دائرة العقل وهو أقسام: منها الماليخوليا وهي التي كانت معروفة بالسوداء أول درجات الجنون وأعراضها دوام الاكتئاب وشدة الاهتمام بالنفس وزعم الإنسان بأنه مصاب بجملة أمراض قتالة، ومنها المونومانيا أي الجنون بشيء واحد وهي حالة يجن فيها الإنسان بشيء أو أشياء محدودة ويتعقل ما عدا ذلك وذلك كالكبر والعجب وحب القتل والوسوسة، ومنها ألمانيا وهي أن يجن الشخص جنونا عاما مع هياج شديد ومنها الذهول وهي أن تضعف قوى الإنسان العقلية ضعفا تدريجيا، ومنها البله وهي حالة طبيعية لا مكتسبة منشأها عدم تكامل خلقة المخ من صغر الرأس أو غيرها وأكثر من هم هكذا يكونون بكما أو غير تامي الكلام. أقوى أسباب الجنون انقماع النفس عن مطلوبها بسلطة قاهرة والغيظ البالغ حده النهائي والفزع الفجائي والغيرة والوسوسة والعشق وفقد ما لا يمكن استرداده مما يكون عزيزا على النفس جدا وأكثر المصابين به النساء لشدة إحساسهن. وعد من أسبابه الضرب على الرأس والسقوط عليه ومرض الأذن والمرض الشديد وشرب الأشربة المخدرة وارتداد العرق فجأة واحتباس الحيض والرعاف وقد يكون وراثيا. معالجة هذا الداء تكون على حسب درجاته ففي الماليخوليا تكفي الرياضة والسفر وسماع الأنغام وتطلب السرور مع الحمية والراحة والاعتناء الشديد بالمعدة. وفي الجنون الخاص بشيء واحد يجتهد بإبعاد فكر المريض عن ذلك الشيء وترويضة وتفريحه. وإن كان سببه مرضا من الأمراض وجب معالجة ذلك المرض. أما الذهول فلا يشفي منه إلا أفراد قلائل لأنه يعقبه شلل عام فيموت المصاب. أما الجنون العام فيعالج بعلاج مادي وأدبي أما المادي فهو علاج لإبطاء الدورة الدموية ولكنه لا يستعمل إلا إذا كان الجهاز الهضمي سليما وسكب الماء على الرأس والاستحمام بالماء الفاتر ووضع منفطة على الصدر وغير ذلك وأما الوسائط الأدبية فهي أشد فعلا من كل ما ذكر وهي: أولا أن لا تهيج شهوة المجنون. ثانيا أن لا يخالف ولا يؤاخذ ولا يستهزأ به. ثالثا أن يجتهد في إثبات رأيه فيما هو خارج عن الجنون. معنى عدم تهيج شهوات المجانين هي أن يبعدوا عما يثير جنونهم أو عما سببه فإن كان سببه العشق وجب أن لا يذكر ما يهيجه. وإن كان سببه الوسوسة بشيء وجب إبعاده عنه. وإن كان سببه ظنهم أنهم ملوك أو علماء فينبغي أن لا يوقروا لأن توقيرهم يزيد جنونهم ويجب أن لا يترك المجنونون بنوع واحد في محل مشترك لأن بعضهم يثير جنون بعض.

التعصب (Prejudice) : كلمة مشتقة من اسم لاتيني pracjudicium معناها السابق (precedent) أي الحكم على أساس قرارات وخبرات سابقة، ينشأ التعصب من خلال الحاجة إلى احترام الذات أو المبالغة في تأكيدها وهو نوع من أنواع النرجسية أو عشق الذات طابعة العدوان وقد يكون ظاهراً أو خفياً، لفظي أو غير لفظي، والتعصب بمعناه السيكولوجي هو شعور ودي أو غير ودي نحو فرد أو شيء دون الاستناد إلى أساس سابق له ويطبع التعصب بشحنه انفعالية مما يعطل عمل التفكير المنطقي السليم. كما أنه اختلال يعتري العلاقات الاجتماعية وتوترٌ يسيطر على خطوط الشبكات الاجتماعية غير المنظورة.

الذكاء (Intelligence) : هو القدرة على اكتساب المعارف واستخدامها في التكيف للمواقف المستجدة أو المشكلات التي يواجهها الفرد. ويعد الفريد بينيه وزميله سيمون أول من وضع مقياساً دقيقاً للذكاء أدى فيما بعد إلى اهتمام العلماء بقياس الذكاء وإلى ظهور اختبارات متعددة له. ونسبته الذكاء intelligence quotient نسبة نحصل عليها بقسمة العمر العقلي على العمر الزمني وضرب الناتج في (100). فالفرد الذي عمره العقلي (12) وعمره الزمني 12 تكون نسبة ذكاءه وفق هذا القانون كما يلي 12/12 × 100 = 100. والذكاء يكون عالياً إذا زاد عن (100) ويقل إذا قل عن (100) فالفرد الذي يتساوى عمره العقلي مع عمره الزمني تكون نسبة ذكاءه (100) أما إذا قل عمره الزمني عن عمره العقلي كانت نسبة ذكاءه أكثر من (100) وفي حال كان عمره الزمني أعلى من عمره العقلي كانت نسبة ذكاءه أقل من (100)، وعلى أساس هذه المقايييس تم تصنيف الأفراد من حيث الذكاء، فالمعتوه ***** هو من كانت نسبة ذكاءه تتراوح بين (صفر و 25)، أما الأبلة imbecile فهو الذي تتراوح نسبة ذكاءه بين (26 و 50) ويعد أحمقاً moron من كانت نسبة ذكاءه تتراوح بين (51 و 70)، أما السوي أو المتوسط (average or normal) من كان ذكاءه بين (71 و 110) ومن كانت نسبة ذكاءه بين (110 و 140) عُدَ فوق المتوسط above average، أما من كانت نسبة ذكاءه (140) فما فوق كان عبقرياً (genius).

العمر العقلي (Mental age): مفهوم وضعه العالم النفسي الفرد بينيه وزميله سيمون وهو يشير إلى مستوى القدرة العقلية للفرد مقارنةً مع أقرانه في السن نفسه، فإذا استطاع فرد عمره 10 سنوات الإجابة على اختبار ذكاء يستطيع الأطفال العاديون في هذا العمر الإجابة عليه بنجاح كان عمره العقلي 10 سنوات. وهو عامل من عوامل تقدير نسبة الذكاء لدى الأفراد.

مقياس بينيه سيمون للذكاء (Binet -siman scale): مقياس علمي دقيق للذكاء، وضعه في مطلع القرن العشرين العالم الفرنسي الفرد بينيه وزميله سيمون، ففي عام (1896) م قام بينيه بدراسة بعض المشكلات لتلاميذ مدارس باريس فوجد أن بين طلابها مجموعة من ذوي الذكاء المنخفض فأخذ يفكر في وضع مقياس لقياس ذكاء التلاميذ، وقد ساعده في هذا العمل العالم سيمون وكان هذا المقياس يتضمن (30) اختباراً مرتبةً حسب تدرجها في الصعوبة وقد أجريا تعديلاً أول على هذا المقياس عام (1908) وتعديل ثانٍ عام (1911) إذ أصبح يتكون من 54 اختباراً متدرجةً في الصعوبة. وقد تعرضت هذه المقاييس للكثير من النقد في موثوقيتها.

الذهان (Psychosis): اضطراب شديد في الشخصية، يبدو في صورة اختلال عنيف في القوى العقلية واضطراب في ادراك الواقع والحياة الانفعالية وعجز عن قضاء الحاجات الحيوية مما يؤدي إلى عدم حدوث التوافق بين الفرد وذاته وبينه وبين الآخرين، وهو يقسم إلى قسمين الأول، عضوي المنشأ كبداية الخرف أو تصلب شرايين المخ أو كاضطراب هرموني أو اختلال شديد في عملية الهدم والبناء ****bolism والثاني وظيفي أو نفسي وليس له أي أساس عضوي مثل البارانويا أو جنون الارتياب والشيزوفرينيا أو الفصام.

الرهاب (Phobia): خوف أو هلع مرضي شديد من موضوع محدد أو موقف لا يستثير بطبيعته الخوف. والخوف الطبيعي ضروري إلى حد ما للبقاء إذ أنه ينبه الكائن الحي إلى الأخطار المحدقة به إلا أنه عندما يتجاوز حدوده الطبيعية وتصبح أسبابه غير واقعية أو غير معروفة فإنه يتحول إلى عصاب ويطلق عليه اسم رهاب فقد يشعر الإنسان بخطرٍ يهدده مع أن هذا الخطر لا وجود له في الواقع. وتتميز الأعراض الفيزيولوجية لهذا العصاب بوجود نشاط شديد في الوظيفة الاستثارية من الجهاز العصبي التلقائي.

العصاب النفسي (Psychoneurosis) : اضطراب يتميز بشدة الاستثارة والانفعالية والقلق الشديد والوساوس. وتظهر على العصابي في أحيان كثيرة أعراضاً معينة كالخوف المرضي والاكتئاب ويتم سلوكه بالتعاسة وسيطرة مشاعر الذنب وعدم الفاعلية في المواقف الاجتماعية.

عصاب الوسواس (Obsessional neurosis): أحد أنواع العصابات التي تتسلط فيه على المريض فكرة أو شعور ما لا يستطيع منه فكاكاً، رغم أنه يعلم أن هذه الفكرة تافهة لا مبرر لها، ويمتاز هذا العصاب بظهور نوع من السلوك القسري الاستحواذي لا يستطيع الفرد مقاومته فالمريض يقوم بلمس بعض الأشياء مرات عديدة أو يقوم بغسل يديه بصورة متكررة يومياً، ولا يهدأ إلا إذا قام بهذه الأفعال.

الهستيريا (Hysteria): اضطراب عصابي تتطور من خلاله أعراض عضوية كالشلل أو فقدان البصر دون أن يكون لذلك أساس جسمي. ويشعر المصاب بهذا العصاب أنه بحاجة إلى حب الآخرين واهتمامهم ويبدو أن الهستيريا محاولة للهرب من صعوبة يبدو التغلب عليها أمراً صعباً للغاية. والهستيريا شكلان رئيسيان الأول يسمى الهستيريا التحولية ويتخذ شكل اضطرابات جسدية منتقلة. والثاني يمتاز بالتفكك والشرود.

العقدة (Complex): هي استعداد لاشعوري، لا يشعر به الفرد ولكنه يشعر بآثاره التي تبدو في سلوكه أو في جسمه وهي ثمرة صدمة انفعالية عنيفة أو خبرة مؤلمة وللتربية أثر كبير في نشوء العقد عند الأفراد فالإفراط في تدليل الطفل أو الإهمال الزائد يؤديان إلى فقدان الطفل للثقة بنفسه. وتسمى العقدة بالانفعال الغالب فيها فإذا كان الانفعال السائد هو الشعور بالذنب سميت عقدة الذنب ومن الثابت أن الفرد ينسى الظروف التي أحاطت بالعقدة وأدت إلى ظهورها.

الكبت (Repression): حيلة دفاعية لاشعورية يلجأ إليها الفرد لكي يستبعد أفكاراً غير مقبولةٍ أو خبرات مؤلمة واجبارها على البقاء في اللاشعور أو العقل الباطن لكي يتمكن من نسيانها أو انكار وجودها، فالجندي الذي تشل ذراعه في المعركة ويُستبعد من ميدان القتال يتبين أن يده سليمة من الناحية التشريحية لكنها معطلة وظيفياً بسبب خوف قديم مكبوت وصراع نفسي لاشعوري، وإن ما حدث له مجرد حيلة دفاعية، لاشعورية تجنبه الموقف الصعب الذي يواجهه.

الكآبة (Depression): اضطراب عصابي أو ذهاني. يتم النوع العصابي منه بالحزن الشديد وفقد الشهية والشعور بالعجز والتشاؤم والتأنيب المستمر للنفس ويسمى أحياناً اكتئاباً استجابياً reactive depression لأنه قد ينشأ نتيجة استجابة لفقدان موضوع أو نتيجة فشل في أداء عمل أو مهنة أو انقطاع علاقة اجتماعية وثيقة. أما النوع الذهاني فهو درجة شديدة من الاكتئاب ومصادره الخارجية غير محددة وقد تنتهي حالات بعض المصابين به بمحاولة الانتحار أو الانتحار العقلي وتصحبه اضطرابات عقلية وادراكية كالهلاوس والهواجس.

المزاج (Temperament): هو مجموعة خصائص انفعالية لدى الفرد تتفاوت في درجة قوتها أو ضعفها، وثباتها أو تقلبها، أول من تحدث عن المزاج الطبيب اليوناني جالينوس الذي قال بأن أحد الأخلاط الأربعة هو الذي يقرر مزاج الإنسان وهذه الأخلاط هي الدم، البلغم، السوداء، الصفراء. أما في علم النفس الحديث فإنا المزاج يتحدد بالعوامل التكوينية والفطرية وتأثيرات الغدد الصماء والعوامل الفسيولوجية الأخرى. وقد تبين أن المزاج يتأثر ببعض الخصائص البدنية الخارجية.

سيكولوجيا الجشتالت (Gestalt psychology): ظهرت هذه المدرسة كرد فعل على علم النفس التحليلي وكلمة جشتالت ألمانية الأصل ومعناها الشكل وهي تنادي بضرورة دراسة السلوك والادراك من زاوية استجابة الكائن الحي لوحدات أو صور متكاملة وترفض النظر إلى السلوك على أنه مجموعة من الاستجابات الصغيرة على مثيرات معينة ويعتبر ماكس فيرتهيمر (1880 1943) المؤسس الحقيقي لهذه المدرسة وتبعه في زيادة هذه المدرسة كورت كوفكا (1886 1941).

عقدة النقص (Inferiority complex) : مصطلح وضعه العالم النفساني الفرد أدلر عام (1925) وهو يشير إلى حالة لاشعورية سببها نقص عضوي أو نفسي أو شعور بتدني المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية فيؤدي بالفرد إلى أن يعوض ذلك لاشعورياً عن طريق المبالغة في طلب القوة والسيطرة على الآخرين، وهنا يجب التمييز بين عقدة النقص والشعور بالنقص والذي هو طبيعي وناجم عن نقص المقدرة أو انعدام الكفاءة كما في خبرات الأطفال مقارنةٍ مع الكبار.

بيداغوجيا: كلمة مركبة من اليونانية من (بيه) بمعنى طفل و(أغو) بمعنى أربي وهو علم تربية الأطفال وتعليمهم المبادىء وهو علم واسع تخدمه سائر العلوم الأخرى ويطلق علية تسمية علم أصول التدريس وله شأن كبير في أمريكا وفي أوروبا ولكنه في أمريكا أكبر شأنا حتى أن أكثر رجال السياسة زاولوا في مبادئ أعمالهم تعليم الأطفال لا لنيل معاش ولكن ثقة منهم بأنه لا يصلح لقيادة الرجال من لم يتمرس بتأديب الأطفال وهذه الفكرة كانت شائعة أيضا لدى اليونانيين الأقدمين الذين كانوا على جانب كبير من الاهتمام بأمر تربية الأطفال وتنمية قواهم.

التقمص (Indentification): عملية لاشعورية أو حيلة عقلية يلصق فيها الفرد الصفات المحببة إليه بنفسه أو يدمج نفسه في شخصية فرد آخر حقق أهدافاً يشتاق هو إليها. فالطفل قد يتقمص شخصية والده أي يتوحد بهذه الشخصية وبقيمها وسلوكها. والشعور بالنقص قد يكون دافعاً قوياً للتقمص الذي يبدو واضحاً بشكل كبير لدى الذهانيين وخاصة المصابين بجنون العظمة فيظن أحدهم مثلاً أنه قائداً عظيماً فيرتدي الملابس العسكرية ويمشي كالعسكريين ويتصرف مثلهم. والتقمص في شكله البسيط يكون ذا أثر هام في نمو الذات وفي تكوين الشخصية

منهجيّة المقال و التحليل في مادّة العربيّة (شعبة الآداب)

بقلم صالح الزناتي




في منهجيّة تحليل النصّ
مدخل 1:
قيل (اتفق العرب على ألاّ يتفقوا) و عدم الاتفاق هذا حاصل حتى في مستوى المنهج رغم ما تعنيه هذه الكلمة من بيـان و وضوح لغة، فمنهج الطّريقِ وَضَحُهُ و المنهـاجُ كالمنهج و في التنزيـل ﴿ لِكُـلّ جَعَلْنَا منْكُم شِرْعَةً وَ منْهَاجَا﴾ ونحن لا نزعم بأنّنا سنحقّق التوحّد في الآراء، و إنما هدفنا الرّئيس هو تقديم تصوّر لما يجب على التلميذ أن يسلكه في عمله حتى لا ينعت عمله باختلال أو باضطراب المنهج، علما و أنّنا قد احتكمنا ،في انجاز هذا العمل، إلى مقاييس إصلاح الباكالوريا وبعض الكتب المختصّة، علّنا بذلك نجْمَع شتات الآراء، و نحقّق اتفاقا نكسر به مقولة عدم الاتفاق.
مدخل 2:
إن العنـاصر الكبرى التي يبنى عليهـا تحليل النصّ لا تختلف عن مثيلتهـا في تحلـيل المقال و هي المقدّمة و الجوهر و الخاتمة وهذه المحطّات الكبرى تتفرّع داخليّا إلى عناصر صغرى سنفصّل فيها القول.
صناعة المقدّمة
تنقسم المقدّمة إلى مجموعة من المحطّات التي يجب على التلميذ أن يتوقف عندها و هي على التوالي:
1-التمهيد: هو فاتحة المقدّمة و التحليل ككلّ و وظيفته وضع النصّ في إطاره التاريخي و في سياقه الفكري و لا يجب أن يكون التمهيد مُطَوَّلا و يجب أن نتجنّب فيه الأحكام المسبقة من قبيل (نجح، أبدع...) أو الحكم على النصّ كمـا يجب أن نتجنّب فيه الأحكـام الانطباعيّة من قبيل (أحسن، أجمـل، أروع، خير...) و نشير في هذا السّياق إلى أنّ التمهيد ليس بطاقة هويّة تعرّف بالشّخصيّة محور الدّرس..
2-التقديم الماديّ للنصّ: وهي عمليّة تأطيريّة للنصّ و مدار الاهتمام فيها نوع النصّ و مؤلّفه و المصدر الذي أخذ منه، مع ضرورة كتابة الأرقام بلسان القلم عند إشارتنا إلى الصّفحات التي أخذ منها النصّ.
3-التقديم المعنويّ: و يكون ذلك بضبط موضوع النصّ و من المستحسن أن تكون صياغة الموضوع في شكل جملة فعليّة.
4-الإشكاليّة أو محاور الاهتمـام: هي المرحلة الختاميّة في المقدّمة و المعلنة عن التحوّل من التقديم إلى الجوهر و يمكن الاستعانة بالأسئلة التي ترفق بالنصّ كما يمكننا التصرّف في هذه الأسئلة بالزّيادة أو النقصان أو إعادة الصّياغة، و يجب في الإشكاليّة تجنب كثرة الأسئلة كما يجب علينا أن نلتزم بالإجابة عن كلّ الأسئلة التي نطرحها.

صالح الزناتي

.
هل يستطيع أي صحفي أو اعلامي ان يتبرأ من المورثات الثقافيه التي يحملها ..؟؟ هل يقدر على التنصل من اخلاقيات الأديب والمثقف الكاتب؟؟ وهل يستطيع ان يخرج من البيئه التي يعيش بكامل أطرها ومعطياتها ,فيكتب مالا يقبله العقل والقلب ..؟؟ ان الكاتب أو الإعلامي لا بد ان يسير على نهج سلفه الصالح ..وان أمسك قلمه لا بد أن يحمل مع قلمه مشاعره ,احاسيسه ,ثقافته,ومورثاته الخلقية,فتأتي كتاباته تحمل الكروموسومات التي سبق ان حملها سواء من تجارب ثقافية أو مركبات جينية...
على الكاتب ان يزن احرفه وجمله قبل ان يسطرها قلمه فينشرها عبر الإنترت او شاشات التلفاز وأوراق الصحف,لأنه سابقاً قالوا ان غلطة العالم بألف ..فما بالنا بغلطة الكاتب أو الإعلامي .التي غطله واحده كفيله أن تغير او تشتت فكر أناس بسطاء لا يملكون من الدنيا إلا سطحية التفكير و هشاشة العقل

صالح الزناتي

مرحبا بكل من هل علي بالزيارة
مواقع و منتديات هامة و رائعة

tunisia sat

tunisia sat
site web tunisenne

tunisia-sport

منتديات تونس سات

startimes2

kuwait2

hannibal-sat

hannibal-sat
http://www.hannibal-sat.com/vb/

tunisia-web