الخميس، يوليو 24، 2008

مسرح التسييس : الحرية وعي الشرط التاريخي والاجتماعي للوجود:


مسرح التسييس هو حوار بين ساحته ن : الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره الثانية هي جمهور الصالة التي تعكس فيها كل ظواهر الواقع ومشكلاته، الأمر الذي من شأنه أن يدفع الكاتب ال ابتداع "بعض الوسائل الاصطناعية لكسر طوق الصمت، وتقديم نموذج قد يؤدي تكراره الى تحقيق غديتنا الأساسية في "اقامة الحوار".. اقامة حوار مرتجل وحار وحقيقي بين مساحتي المسرح : العرض والمتفرج.. ولابد لموضوع الحوار أن يكون مرتبطا بحياة المتفرج، ومشكلاته من جهة، ونوع المعالجة وشكلها، لكيلا تكون المعالجة مسألة شكلية وتقنية، حيث لابد للهواجس الجمالية أن يتم تعديلها الى "المشكلات السياسية والاجتماعية للواقع " وذلك لتشجيع المتفرج على الكلام والارتجال والحوار".

تمثل هذه المرحلة انعطافا نوعيا في وعي الوجود المؤسس للبنية التكوينية للنص، حيث ينتقل وعي الحرية من الرؤية المعرفية التي ترى في الحرية جوهر الوجود، الى الرؤية المعرفية التي ترى في الحرية شرط الوجود قيميا، من وعي الحرية بوصفها جوهر الكائن، الى وعيها بوصفها شرط كرامة وسيادة الكائن، من وعيها بوصفها وضعا اتنولوجيا، الى وعيها بوصفها صيرورة تاريخية على طريق اكتمال الوجود بالقيمة، وهكذا تخرج الحرية من الوجود بوصفه مكتفيا بذاته وقانونياته الداخلية، ال مجال القيمة التي لا معنى للوجود بطريقة كريمة بدونها، أي من حالتها الوجودية ال حالتها التاريخية، عندها تنخرط في المشكلات القيمية للوجود من أجل امتلاك بعده التاريخي، والشرط الاجتماعي للكائن بوصفه ممثل القيمة التي تمنح واجب الوجود في ذاته، معنى أن يفيض عن ذاته دلالات ورموزا وأحلاما بشرية تجعله بشريا، قيميا، جماليا، وانسانيا، وذلك لا يتم إلا بالفرص في حمأة الواقع وأسئلته اليومية الشائكة التي توحد مساحتي الوجود والتاريخ، العرض المسرحي، وجمهور الصالة بمشكلاتهم وهمومهم وأشواقهم.

بيد أن هزيمة حزيران 1967 كانت الزلزال الذي صدع كل هذه الأوهام الأونتولوجية التي أشاعتها الوجودية عن الحرية، وعززها مسرح العبث.

" حفلة سمر" والجوع الى الحوار:

كانت النقلة عنيفة وحاسمة في مسرحية "حفلة سمر من أجل 5 حزيران " حيث في هذا النص يؤسس سعدالله لفكرة (الحوار والمشاركة ) ليس عبر الرسالة المعرفية والايديولوجية للنص فحسب، بل من خلال التشكيل البنائي للنص ذاته، اذ يكسر الحاجز الفاصل بين المعرفة والسلطة، لتدمير معرفة السلطة التي قادت الى الهزيمة دافعا بجمهور الصالة أن ينتزع حقه بالمشاركة في صناعة القرار، عبر الحوار والتدخل المباشر على الخشبة لمواجهة معرفة السلطة، بسلطة المعرفة التي بدونها لا يمكن للناس أن يمتلكوا حريتهم، وذلك عبر الثنائية الحوارية، بين المتفرج وخشبة العرض الرسمية بين الكاتب عبد الفني، والمخرج الرسمي، وذلك عبر اشرا ء الأسئلة. والسؤال هو المدخل لتقويض القائم عبر التشكيك بصلابته الواقعية الرثة. من أجل تجاوزه فالكاتب يمثل المعرفة وارادة الجمهور المقهور والمهزوم والباحث عن معرفة سبب ما حدث، والمخرج ممثل سلطة الخشبة والعرض ويقود جهازه التمثيلي للتضليل والايهام والتسلية والترفيه وتمجيد البولات الزائفة.

هذه المرارة الساكنة أحشاء الخطاب في النص، المرارة تجاد واقع عصي على التغيير سلطة ومجتمعا، ستربض ثاوية في سفر الكتابة المتوجهة أبدا حتى اللحظة الأخيرة وهي تطمح للارتقاء بالواقع من واقعيته الرثة بالتجدد قيم الحرية والعقل والعدالة، لكن فظاظة الوجود التي تأبى أن تنصاع لحلم الحرية، تلقي بالقمامة والامامة والرثاثة بوجه الأحلام الجميلة، فلا يكون الملاذ سوى الخيبة والمرارة من جديد، وكأن الكتابة هي الأمل المحكوم به الكاتب في وجه كل هذه البشاعة التي سيكتشف عنها لاحقا بهجاء نادر في مباشرته، وشراسته. وعينه الزرقاء المتنبئة في (يوم من زماننا _ ملحمة السراب ) حيث يكتب ملحمة مأتم الحرية الذي يخيط كفنه منذ عويل الشعارات الكبرى عن الحرية والوحدة والاشتراكية، وهو يستبيح كل واحدة منها على حدة نكاية بكل هذه القيم والمثل التي آمن بها الكاتب ورعيله. وسيأتي حديث ذلك.

اذا كان المجتمع على هذه الدرجة من الامامة، والسلطة على هذه الدرجة من الشراسة، فإن نزوعا من تأنيب النفس وتقريعها، سيتبدى في هذه المرحلة الثانية من وعي الحرية، وكأن الواقع المرير الذي لوع النهضوي الراديكالي الكواكبي، هو ذاته يمضي ساكنا، لا جديد فيه سوى لبوس السلطة من الطربوش والعمامة العثمانية الى قبعة الجنرال المعلقة صورته على الجدار في «يوم من رهاننا» والذي يسهل أن تنتهك أشد المحرمات، من المس بصورته الجليلة، والشعب هو هو لا يزال مقيدا بسلاسل الاستعباد، فغضب الكواكبي من أمته وشعبه، وهو يقرعهم بأن الأمة التي لا يستشعر شعبها أو بعض شعبها بالاستبداد فإنها غير جديرة بالحرية، هذه الخلاصة المريرة القي تجرعها الكواكبي سما زعافا، ستتحول الى الأطروحة الرئيسية التي تسكن مفاصل خطاب النص عند سعدالله. والتي سيتجرعها سرطانا فاتكا، كما تجرع الكواكبي سم السلطان عبدالحميد. والكواكبي سيكون الرمز الوحيد لممكنات الحرية في مسرحيته الهجائية بمرارة "يوم من زماننا".

المرحلة الثانية:

في هذه المرحلة، سيكتب مسرحياته (الفيل يا ملك الزمان - مغامرة رأس المملوك جابر _ الملك هو الملك )، قبل صمته الذر سيدوم عشر سنوات، ليبدأ المرحلة الثالثة، التي يتجاوز فيها أحادية الرؤية الى الحرية بوصفها وضعا وجوديا جوهريا في مرحلته الأولى، والحرية بوصفها شرطا تاريخيا في مرحلته الثانية، الى انشاء كليات نوعية جديدة ومغايرة، عندما سيهدم الحاجز بين الرضع والشرط، ليوغل عميقا في داخل الذات (ذات الفرد والمجتمع والتاريخ) مواصلا سفر عذ ابات الكلمة الشريفة. في هذه المرحلة، المرحلة الثانية التي نحن بصدد تشخيصها، سيشهد منظوره المعرفي والجمالي انتقالا في وعي الحرية، حيث الانتقال من وعيها كوضع وجودي انطولوجي، الى وعيها كشرط تاريخي كما ستظهر لاحقا.

وبذلك فإن الحرية في هذا السياق ستتبدى بوصفها المعادل للوجود الانساني، أي المعادل القيمي الذي يمنى الوجود الطبيعي معناه، والالته الروحية ومغزاه الاخلاقي فهي إذن لم تعد جوهريا ثابتا أو انطولوجيا. بالمعنى الوجودي بل غدت شرطا انسانيا لابد منه قيميا، لتحقيق حالة التطابق بين الوجود والقيمة، وهنا ينهض الوعي التاريخي ليعلن أن البشر هم الذين يصنعون مصائرهم عبر امتلاك الوعي بهذه المصائر، والحرية لمن يستحقها، والانسان محكوم بها لا كوضع طبيعي بل كشرط تاريخي انساني، به يتحقق وجوده الأمثل بصورة كريمة، وليس الوجود المحض بأي ثمن كما تقدمه حكمة أزمنة الذل والقهر والاستبداد القائمة على (فخار يكسر بعضه _ ومن يتزوج أمنا نسميه عمنا) وفق ما يتأسس عليه نظام خطاب الرعية الراسخة في العبودية روحيا وانسانيا في مسرحيتي (الفيل يا ملك الزمان - ومغامرة رأس المملوك جابر).

سهرة مع أبي خليل القباني : المسرح بوصفه فعل حرية:


ستكون "سهرة مع أبي خليل القباني" المسرحية الصادرة سنة 1996 بعد (الفيل يا ملك الزمان _ ومغامرة رأس المملوك جابر لم وقبل "الملك هو الملك " الصادرة 1997 بمثابة الجذر المعرفي الذي سيؤسس لرؤية كتابة سعدالله اللاحقة، وقد كان نصا لافتا في انتباهه المبكر لميراث التنوير العربي، وهو الكاتب الذي حسم كل تطويره الفكري باتجاه الانتقال من وعي الحرية كوضع الى وعيها كشرط تاريخي، أي طور الفكري من وجودية قومية متمردة باطلق الى رؤية تاريخية متطلعة الى فعل التغيير وواثقة من قدرة الناس على صناعة مصيرها، وكانت العلاقة الخاصة التي ربطت تجربته المسرحية بتجربة بريشت واستثماره المبدع للاقتراحات التي قدمها المسرح البريشتي على مستوى البنية والرؤى، كل ذلك ساهم في ابراز سعدالله كمثقف عضوي يخوض معركة التغيير بوصفها فعلا يوميا ينبغي خوضه دائما، واعادة كسبه أبدا.

ان داعية مسرح التسييس كان دائما قادرا عي فك أي ارتباط مع الاحزاب السياسية التي ظل يحتفظ لنفسه بمسافة نقدية عنها، هذا المسافة النقدية وهي مسافة الحرية التي تقلع اليها المعرفة لخوض معركة الجذرية تجاه الأستبداد، هي آلتي ستنير لسعدالله أن يقدم رؤية مختلفة لزمن التنوير العربي بمنحى عن المناخ الفكري اليساري (الماركسي والقومي) من جهة، و(التراثي المحدثن ) الابستمولوجي، الفينوميقولوجي والتفكيكي، من جهة أخرى، حيث يرى في تجربة القباني المسرحية فعل حرية بذاتها، بوصف المسرح هو النتاج التاريخي للديمقراطية اليونانية على حد تعبه سعد اثو، وهو يكشف في هذه المسرحية عن الترابط الوثيق بين المسرح والحريات الدستورية والقانونية التي تحققت في ظل الوالي المتنور مدحت باشا 1978، وأن المسرح كان بهدف معركة الرجعية، من خلال الشيخ "سعيد الغبري" والسعى الى السلطان في سبيل اغلاقا وعلى هذا تنشأ شبكة من العلاقات المتناظرة والمتوالدة، فحيث يسود التنوير نتفته شجرة الحرية، وكلما كانت شجرة الحرية وارفة، كان الوعي بالاستبداد حادا بوصفه العقبة أمام التفتح الذهني والروحي، وكلما ازداد الوعي معرفة بقوانين الاستبداد، كان المسرح ضرورة لهذا :لوعي الحديث، للنهضة والتنوير، وبذلك فالمسرح في ذاته فعل حرية شاجب للطغيان وسيادة الو احدية الفكرية والايديولوجية السياسية، في إطار هذا الهوامش التي سقناها على متن تحليلنا لمرحلتي الحرية التي عرفها مسرح سعدالله، سنؤجل تناولنا التحليلي للمرحلة الثالثة المتمثلة بالانتقال بمفهوم الحرية من شرط وجود الكائن، وجوديا كرضه، وتاريخيا كشرط، الى الحرية كشرط لمعنى وجود الكائن، حيث الانتقال نحو الداخل للحفي فيه بحثا عن البريق الأبيض لالتماعات النفس وتخلق الجسد، وبمقدار ما تتكشف النفس في جوانيتها عن عوامل الكبح والقهر التي نتوء بها الذات داخليا، بمقدار ما تفتته حرية الجسد، بشابتها تتويجا حسيا لتموجات الروح وجرار النفس، وقروح الوجدان، ولعل ذروة التشخيص الدوامي لهذه الحوارية الجوانية بين الباطن والظاهر، يتعكس بارتهان فعل الحرية لمدى درجة تقويض الجدار وتصدعه بينهما، ومن ثم تداعى هذه الفسحة البرزخية الوهمية بين المعنى والمبنى، بين الميث واللوغوس، بين اندفاعات الحس وأشواق العقل حيث سقوط الوعي التنكري، وذلك في مسرحيته "طقوس الاشارات والتحولات " الصادرة سنة 1994 هذا التشخيص في أرقي تجلياته الدرامية في هذه المسرحية سيشكل انعطافا نوعيا فذا في سيرته المسرحية، حيث الكتابة ستعيش مرحلة تلظيها وهي تكتوي بحمى المرض الذي كان يكتب تحت وطأته الفتاكة، فيقاومه ويزجره ويؤجله هذه الانعطافة ربما يتم له عبرها أن يؤسس لايقاع جديد في المسرح العربي،، لو طال العمو، فوفق هذا الايقاع سيكتب عدة مسرحيات وان لم ترق الى تلك المجرة الدلالية التي أودعها نص "طقوس الاشارات والتحولات " وهذه المسرحيات "أحلام شقية " كتبها في السنة ذاتها وفي عام 1996يصدر مسرحية قصيرة "بلاد أضيق من الحب " وآخر هذه المسرحيات التي ينتظمها ايقاع اسقاط الجدار بين الروح والجسد، والولوج الى عوالم الداخل الذي يأتي الخارج محصلة لها هي مسرحية "الأيام المخمورة " وان كان في هذه المسرحية قد أراد من خلال هذه المباطنة الداخلية للشخصيات أن يباطن التاريخ والمجتمع وتلك السيرورة التي "كانت الناس تتمايل... وكنت الأيام مخمورة ".

ليست هناك تعليقات:

صالح الزناتي

.
هل يستطيع أي صحفي أو اعلامي ان يتبرأ من المورثات الثقافيه التي يحملها ..؟؟ هل يقدر على التنصل من اخلاقيات الأديب والمثقف الكاتب؟؟ وهل يستطيع ان يخرج من البيئه التي يعيش بكامل أطرها ومعطياتها ,فيكتب مالا يقبله العقل والقلب ..؟؟ ان الكاتب أو الإعلامي لا بد ان يسير على نهج سلفه الصالح ..وان أمسك قلمه لا بد أن يحمل مع قلمه مشاعره ,احاسيسه ,ثقافته,ومورثاته الخلقية,فتأتي كتاباته تحمل الكروموسومات التي سبق ان حملها سواء من تجارب ثقافية أو مركبات جينية...
على الكاتب ان يزن احرفه وجمله قبل ان يسطرها قلمه فينشرها عبر الإنترت او شاشات التلفاز وأوراق الصحف,لأنه سابقاً قالوا ان غلطة العالم بألف ..فما بالنا بغلطة الكاتب أو الإعلامي .التي غطله واحده كفيله أن تغير او تشتت فكر أناس بسطاء لا يملكون من الدنيا إلا سطحية التفكير و هشاشة العقل

صالح الزناتي

مرحبا بكل من هل علي بالزيارة
مواقع و منتديات هامة و رائعة

tunisia sat

tunisia sat
site web tunisenne

tunisia-sport

منتديات تونس سات

startimes2

kuwait2

hannibal-sat

hannibal-sat
http://www.hannibal-sat.com/vb/

tunisia-web